جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية والجريمة الاقتصادية
القاضي رائد احمد حسن
محكمة التحقيق المركزية / الرصافة
المقدمة
اعتادت معظم الكتابات القانونية على تقديم الدراسة القانونية بشرح المشكلة القانونية المطلوب وضعها موضع البحث والدراسة ولأهمية الموضوع المطلوب مناقشته وتحليله ولأغراض الفائدة العلمية فسنتولى بيان المصطلحات القانونية التي سنتولى فيما بعد دراستها بنبذة من التعريف بمعناها وبيان المقصود منها ومع أننا نؤمن بأن إيراد تعريف الجرائم كنظام قانوني خاص قد يخلق نوعاً من الاضطراب الفقهي في فهم الجريمة موضوع التعريف وقد تخرج بعض الأفعال الجرمية الخطرة من نطاق التعريف رغم انصراف العناصر المؤلفة لها إلى ذات الغاية الجرمية التي تهدف إليها الأفعال الجرمية المنظوية تحت هذا التعريف مما يخلق مشكلة عند نقل المنهج النظري إلى التطبيق العلمي . إلا أن ضرورات الوقوف على المعنى الاصطلاحي لبعض الجرائم تلزم أن نقف أمام وصف لمعنى هذه الجريمة أو الجرائم التي يمكن وصفها بالحداثة على مجتمعنا بعد أن عصفت هذه الجرائم بمجتمعات عديدة وأصبحت منذ زمن بعيد محل لأنظمة قانونية جزائية استلزمتها ضرورة مكافحتها ومن ابرز هذه الجرائم الجريمة الإرهابية والجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية .
ويطرح مسألة الإرهاب في هذا الإطار , باعتبار أن الإرهاب كأحد صور أو وسائل العنف التي عرفها المجتمع الإنساني منذ أمد بعيد , وتطورت هذه الوسيلة مع تطور المجتمعات والعلاقات الاجتماعية لوسائل وأساليب العنف أفرزتها التطورات العلمية والتكنولوجية في مجال الأسلحة واستخدام المتفجرات والقنابل . وإذا كان الاتفاق حاصلاً حول تعريف الجريمة بكونها فعل غير مشروع يقرر له القانون عقوبة أو تدبيراً احترازياً , فان تعريف الإرهاب ليس بهذه السهولة والوضوح بمكان , فمصطلح " الإرهاب" يتسم بالغموض ويفتقر إلى درجة من اليقين كما انه ويجسد ظاهرة وصفها أسهل من تعريفها وفي هذا السياق فقد اتجه المشرع العراقي في إقليم كردستان وبموجب قانون مكافحة الإرهاب رقم (3) لسنة 2006 إلى تعريف الإرهاب بقوله (( هو كل استعمال منظم للعنف وتهديد به وتحريض عليه وتمجيده يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي أو عشوائي القصد منه إيقاع الرعب والخوف والفزع والفوضى للإخلال بالنظام أو تعريض امن وسلامة المجتمع والإقليم وحياة المواطنين وحرياتهم ومقدساتهم للخطر أو إيذاء الأفراد أو إلحاق الضرر بالبيئة أو احد الموارد الطبيعية أو الأملاك العامة أو الخاصة لتحقيق مآرب سياسية أو فكرية أو دينية آو طائفية أو عنصرية.)) أما إذا عرجنا على القانون رقم 13 لسنة 2005 فإننا نرى بان المشرع لم يخرج بعيداً عن فلك الاتفاقيات والمفاهيم الوارد ذكرها في أعلاه وانه سار على ذات النهج , وان كان قد توج المادة الأولى منه بعنوان تعريف الإرهاب والتي جاء فيها (( كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع الأضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار أو الوحدة الوطنية أو إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس أو إثارة الفوضى تحقيقاً لغايات إرهابية)) مدلول عموم هذا النص بين الأركان الواجب توافرها للقول بتوافر الجريمة الإرهابية أو لدخول النشاط الإنساني المجرم ضمن طائلة قانون مكافحة الإرهاب . وان النظر بموضوعية لتحديد مفهوم الإرهاب . بحاجة إلى وجود مدخل للتعريف بالإرهاب ومعنى الجريمة الإرهابية عن طريق إيجاد أسس معينة لمكونات التعريف وهي مهمة للتوصل من خلالها إلى تحديد مفهوم الإرهاب وتمييزه عن باقي الجرائم وبمعنى أدق أن نتوقف قليلاً عند إشكالية التكييف القانوني لجريمة الإرهاب وتحليل عناصرها فالمقصود بالتكييف القانوني للوقائع إذن : هو إدراج حالة واقعية معينة داخل إطار فكرة قانونية . ويوضح الفقه القانوني إن عملية التكييف: تقتضي من القائم بها جهداً مزدوجاً في خصوص عنصري الوقائع والقانون , فبالنسبة لعنصر القانون نلاحظ انه مهما بلغت درجة تحديد النصوص التشريعية أو اللائحية في تعريفها للوقائع , فأن هذه النصوص تظل تتسم بالعمومية والتجريد , وعلى من يقوم بالتكييف أن يسعى للتوصل إلى استخلاص قاعدة تطبيقية من هذا النص العام المجرد , وهو يتوصل إلى ذلك عن طريق تخصيص أو تجسيد النص – أي إعطائه معنى أكثر تحديداً واقل عمومية .
أما بالنسبة لعنصر الواقع , فأنه على العكس يجب العمل على تجريد الحالة الواقعية والعمل على رفعة الواقعة الفردية إلى مستوى عمومية نص القانون , وذلك عن طريق إغفال كل العناصر عديمة الجدوى , والعمل على إبراز الصفات التي تميز الواقعة من وجهة النظر القانونية . وبعد تلك المقدمة للولوج إلى موضوع تكييف الوقائع القانونية للقول بعد ذلك بكون النشاط الإنساني يدخل ضمن مفهوم الجريمة الإرهابية من عدمه سواء أكان معاقباً عليه وفقاً لقانون العقوبات أم لقانون مكافحة الإرهاب وهكذا فأنه عن طريق تخصيص القاعدة القانونية وتجريد الواقعة المادية يمكن التوصل إلى قيام التطابق بينهما . وحال الجريمة الإرهابية لا يختلف عن حال باقي الجرائم بشكل عام ومن حيث وجوب توافر أركانها العامة من ركن مادي وركن معنوي وركن قانوني يتمثل بنص القانون أي أن ترد سمات هذه الجريمة ضمن نصوص قانون مكافحة الإرهاب للقول بكون الجريمة هي جريمة إرهابية 1 إما عناصر الركن المادي للجريمة الإرهابية فان الجرائم الإرهابية الواردة ضمن قانون مكافحة الإرهاب متنوعة ومتعددة أوردها قانون الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 على سبيل الحصر لا المثال بنص المادة الثانية منه وللتوضيح نورد إحدى الجرائم الواردة ضمن قانون مكافحة الإرهاب وتشترط كل صورة من صور الجريمة الإرهابية توافر النشاط الإنساني سلبياً كان أو ايجابياً والنتيجة الإجرامية وتوافر العلاقة السببية ونشير في هذا المجال إلى ما ذهب إليه استاذنا القاضي سالم روضان 2 من القول إن المشرع العراقي قد تبنى نظرية تعادل الأسباب في مسألة العلاقة السببية وحسبما جاء بنص المادة 29 من قانون العقوبات النافذ ذي الرقم 111 لسنة 1969 المعدل فالقضاء العراقي ( ومع احترامنا وإجلالنا لرأي الأستاذ سالم روضان) اظهر من خلال تطبيقاته لما نصت المادة 29 عقوبات حضوراً واسعاً وشاملاً لنظرية السبب الملائم بخلاف نظرية تعادل الأسباب ففي حادثة عرضت على محكمة التمييز مفادها حصلت منازعة آنية قررت محكمة الجنايات إدانة احد المتهمين فيها عن جريمة قتل المجني عليه عمداً لثبوت لطلاقه عياران نارية من بندقية وإصابته له ووفاته جراء ذلك في حين أدانت المحكمة المتهم الآخر في القضية نفسها عن جريمة الإيذاء وفق المادة 413 ف1 من قانون العقوبات لثبوت اعتدائه على المجني عليه نفسه بالمكوار وإحداثه له جرحاً رضياً في رأسه لم يكن سبباً لوفاته 3 ومع أن هذا الموضوع يعد من الإشكاليات التي اختلف عليها كتاب الفقه الجنائي وبرأيي المتواضع إن القضاء العراقي قد تبنى نظرية السبب الكافي أو الملائم ومن ذلك إن استخدام الجاني لعصا خشبية ضرب بها المجني عليه على يده أدت إلى كسر يده وأدى انقلاب سيارة الإسعاف التي أقلت المجني عليه إلى وفاته فلا يمكن أن يسأل الجاني إلا عن جريمة الاعتداء دون جريمة القتل ولكن في حقيقة الأمر فأن هذا النقاش لا يمكن أن يكون له ذات الأثر عند التعرض إلى الجريمة الإرهابية فبنصوص قانون مكافحة الإرهاب فأن العنصر المعنوي في هذه الجريمة اثر بالغ في التكييف القانوني للجريمة ومعاقبة الجاني فمتى ما انصرفت نية الجاني إلى تحقيق الرعب والفزع بين الناس كان فعل الجاني منطبقاً وأحكام قانون الإرهاب عند توافر عناصر الركن المادي والقانوني المشار إليها أعلاه وقد ذهبت محكمة التمييز في قرارها المرقم 6793/الهيئة الجزائية الأولى /2007 في 3/2/2008 إلى القول ( إن تاريخ الحادث ذو اثر مهم في هذه الدعوى للتوصل إلى القانون الواجب التطبيق وهل هو قانون العقوبات أم قانون مكافحة الإرهاب النافذ في 9/11/2005) كما تناول المشرع العراقي في المادة الثانية الفقرة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب الجرائم التي عدها من الأفعال الإرهابية ونص على أن من ضمن هذه الأفعال العمل بالعنف والتهديد على إثارة فتنة طائفية أو حرب أهليه أو قتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين أو حملهم على التسليح ولعدم الإطالة في هذا الموضوع فسنأخذ هذه الجريمة كمثال بسيط لشرح أركان الجريمة الإرهابية .
الركن المادي لهذه الجريمة أو النشاط الذي جرمته المادة 2/4 من قانون مكافحة الإرهاب يتمثل في كل سلوك يتسم بالعنف أو بالتهديد به يستهدف إثارة فتنة طائفية أو حرب أهلية أو على أن يتم هذا الفعل بتسليح المواطنين أو حملهم على التسلح بعضهم بعضاً أو تحريضهم على ذلك أو تمويلهم لذلك ومن ثم فالركن المادي يتحقق في هذه الجريمة
القاضي رائد احمد حسن
محكمة التحقيق المركزية / الرصافة
المقدمة
اعتادت معظم الكتابات القانونية على تقديم الدراسة القانونية بشرح المشكلة القانونية المطلوب وضعها موضع البحث والدراسة ولأهمية الموضوع المطلوب مناقشته وتحليله ولأغراض الفائدة العلمية فسنتولى بيان المصطلحات القانونية التي سنتولى فيما بعد دراستها بنبذة من التعريف بمعناها وبيان المقصود منها ومع أننا نؤمن بأن إيراد تعريف الجرائم كنظام قانوني خاص قد يخلق نوعاً من الاضطراب الفقهي في فهم الجريمة موضوع التعريف وقد تخرج بعض الأفعال الجرمية الخطرة من نطاق التعريف رغم انصراف العناصر المؤلفة لها إلى ذات الغاية الجرمية التي تهدف إليها الأفعال الجرمية المنظوية تحت هذا التعريف مما يخلق مشكلة عند نقل المنهج النظري إلى التطبيق العلمي . إلا أن ضرورات الوقوف على المعنى الاصطلاحي لبعض الجرائم تلزم أن نقف أمام وصف لمعنى هذه الجريمة أو الجرائم التي يمكن وصفها بالحداثة على مجتمعنا بعد أن عصفت هذه الجرائم بمجتمعات عديدة وأصبحت منذ زمن بعيد محل لأنظمة قانونية جزائية استلزمتها ضرورة مكافحتها ومن ابرز هذه الجرائم الجريمة الإرهابية والجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية .
ويطرح مسألة الإرهاب في هذا الإطار , باعتبار أن الإرهاب كأحد صور أو وسائل العنف التي عرفها المجتمع الإنساني منذ أمد بعيد , وتطورت هذه الوسيلة مع تطور المجتمعات والعلاقات الاجتماعية لوسائل وأساليب العنف أفرزتها التطورات العلمية والتكنولوجية في مجال الأسلحة واستخدام المتفجرات والقنابل . وإذا كان الاتفاق حاصلاً حول تعريف الجريمة بكونها فعل غير مشروع يقرر له القانون عقوبة أو تدبيراً احترازياً , فان تعريف الإرهاب ليس بهذه السهولة والوضوح بمكان , فمصطلح " الإرهاب" يتسم بالغموض ويفتقر إلى درجة من اليقين كما انه ويجسد ظاهرة وصفها أسهل من تعريفها وفي هذا السياق فقد اتجه المشرع العراقي في إقليم كردستان وبموجب قانون مكافحة الإرهاب رقم (3) لسنة 2006 إلى تعريف الإرهاب بقوله (( هو كل استعمال منظم للعنف وتهديد به وتحريض عليه وتمجيده يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي أو عشوائي القصد منه إيقاع الرعب والخوف والفزع والفوضى للإخلال بالنظام أو تعريض امن وسلامة المجتمع والإقليم وحياة المواطنين وحرياتهم ومقدساتهم للخطر أو إيذاء الأفراد أو إلحاق الضرر بالبيئة أو احد الموارد الطبيعية أو الأملاك العامة أو الخاصة لتحقيق مآرب سياسية أو فكرية أو دينية آو طائفية أو عنصرية.)) أما إذا عرجنا على القانون رقم 13 لسنة 2005 فإننا نرى بان المشرع لم يخرج بعيداً عن فلك الاتفاقيات والمفاهيم الوارد ذكرها في أعلاه وانه سار على ذات النهج , وان كان قد توج المادة الأولى منه بعنوان تعريف الإرهاب والتي جاء فيها (( كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع الأضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار أو الوحدة الوطنية أو إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس أو إثارة الفوضى تحقيقاً لغايات إرهابية)) مدلول عموم هذا النص بين الأركان الواجب توافرها للقول بتوافر الجريمة الإرهابية أو لدخول النشاط الإنساني المجرم ضمن طائلة قانون مكافحة الإرهاب . وان النظر بموضوعية لتحديد مفهوم الإرهاب . بحاجة إلى وجود مدخل للتعريف بالإرهاب ومعنى الجريمة الإرهابية عن طريق إيجاد أسس معينة لمكونات التعريف وهي مهمة للتوصل من خلالها إلى تحديد مفهوم الإرهاب وتمييزه عن باقي الجرائم وبمعنى أدق أن نتوقف قليلاً عند إشكالية التكييف القانوني لجريمة الإرهاب وتحليل عناصرها فالمقصود بالتكييف القانوني للوقائع إذن : هو إدراج حالة واقعية معينة داخل إطار فكرة قانونية . ويوضح الفقه القانوني إن عملية التكييف: تقتضي من القائم بها جهداً مزدوجاً في خصوص عنصري الوقائع والقانون , فبالنسبة لعنصر القانون نلاحظ انه مهما بلغت درجة تحديد النصوص التشريعية أو اللائحية في تعريفها للوقائع , فأن هذه النصوص تظل تتسم بالعمومية والتجريد , وعلى من يقوم بالتكييف أن يسعى للتوصل إلى استخلاص قاعدة تطبيقية من هذا النص العام المجرد , وهو يتوصل إلى ذلك عن طريق تخصيص أو تجسيد النص – أي إعطائه معنى أكثر تحديداً واقل عمومية .
أما بالنسبة لعنصر الواقع , فأنه على العكس يجب العمل على تجريد الحالة الواقعية والعمل على رفعة الواقعة الفردية إلى مستوى عمومية نص القانون , وذلك عن طريق إغفال كل العناصر عديمة الجدوى , والعمل على إبراز الصفات التي تميز الواقعة من وجهة النظر القانونية . وبعد تلك المقدمة للولوج إلى موضوع تكييف الوقائع القانونية للقول بعد ذلك بكون النشاط الإنساني يدخل ضمن مفهوم الجريمة الإرهابية من عدمه سواء أكان معاقباً عليه وفقاً لقانون العقوبات أم لقانون مكافحة الإرهاب وهكذا فأنه عن طريق تخصيص القاعدة القانونية وتجريد الواقعة المادية يمكن التوصل إلى قيام التطابق بينهما . وحال الجريمة الإرهابية لا يختلف عن حال باقي الجرائم بشكل عام ومن حيث وجوب توافر أركانها العامة من ركن مادي وركن معنوي وركن قانوني يتمثل بنص القانون أي أن ترد سمات هذه الجريمة ضمن نصوص قانون مكافحة الإرهاب للقول بكون الجريمة هي جريمة إرهابية 1 إما عناصر الركن المادي للجريمة الإرهابية فان الجرائم الإرهابية الواردة ضمن قانون مكافحة الإرهاب متنوعة ومتعددة أوردها قانون الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 على سبيل الحصر لا المثال بنص المادة الثانية منه وللتوضيح نورد إحدى الجرائم الواردة ضمن قانون مكافحة الإرهاب وتشترط كل صورة من صور الجريمة الإرهابية توافر النشاط الإنساني سلبياً كان أو ايجابياً والنتيجة الإجرامية وتوافر العلاقة السببية ونشير في هذا المجال إلى ما ذهب إليه استاذنا القاضي سالم روضان 2 من القول إن المشرع العراقي قد تبنى نظرية تعادل الأسباب في مسألة العلاقة السببية وحسبما جاء بنص المادة 29 من قانون العقوبات النافذ ذي الرقم 111 لسنة 1969 المعدل فالقضاء العراقي ( ومع احترامنا وإجلالنا لرأي الأستاذ سالم روضان) اظهر من خلال تطبيقاته لما نصت المادة 29 عقوبات حضوراً واسعاً وشاملاً لنظرية السبب الملائم بخلاف نظرية تعادل الأسباب ففي حادثة عرضت على محكمة التمييز مفادها حصلت منازعة آنية قررت محكمة الجنايات إدانة احد المتهمين فيها عن جريمة قتل المجني عليه عمداً لثبوت لطلاقه عياران نارية من بندقية وإصابته له ووفاته جراء ذلك في حين أدانت المحكمة المتهم الآخر في القضية نفسها عن جريمة الإيذاء وفق المادة 413 ف1 من قانون العقوبات لثبوت اعتدائه على المجني عليه نفسه بالمكوار وإحداثه له جرحاً رضياً في رأسه لم يكن سبباً لوفاته 3 ومع أن هذا الموضوع يعد من الإشكاليات التي اختلف عليها كتاب الفقه الجنائي وبرأيي المتواضع إن القضاء العراقي قد تبنى نظرية السبب الكافي أو الملائم ومن ذلك إن استخدام الجاني لعصا خشبية ضرب بها المجني عليه على يده أدت إلى كسر يده وأدى انقلاب سيارة الإسعاف التي أقلت المجني عليه إلى وفاته فلا يمكن أن يسأل الجاني إلا عن جريمة الاعتداء دون جريمة القتل ولكن في حقيقة الأمر فأن هذا النقاش لا يمكن أن يكون له ذات الأثر عند التعرض إلى الجريمة الإرهابية فبنصوص قانون مكافحة الإرهاب فأن العنصر المعنوي في هذه الجريمة اثر بالغ في التكييف القانوني للجريمة ومعاقبة الجاني فمتى ما انصرفت نية الجاني إلى تحقيق الرعب والفزع بين الناس كان فعل الجاني منطبقاً وأحكام قانون الإرهاب عند توافر عناصر الركن المادي والقانوني المشار إليها أعلاه وقد ذهبت محكمة التمييز في قرارها المرقم 6793/الهيئة الجزائية الأولى /2007 في 3/2/2008 إلى القول ( إن تاريخ الحادث ذو اثر مهم في هذه الدعوى للتوصل إلى القانون الواجب التطبيق وهل هو قانون العقوبات أم قانون مكافحة الإرهاب النافذ في 9/11/2005) كما تناول المشرع العراقي في المادة الثانية الفقرة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب الجرائم التي عدها من الأفعال الإرهابية ونص على أن من ضمن هذه الأفعال العمل بالعنف والتهديد على إثارة فتنة طائفية أو حرب أهليه أو قتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين أو حملهم على التسليح ولعدم الإطالة في هذا الموضوع فسنأخذ هذه الجريمة كمثال بسيط لشرح أركان الجريمة الإرهابية .
الركن المادي لهذه الجريمة أو النشاط الذي جرمته المادة 2/4 من قانون مكافحة الإرهاب يتمثل في كل سلوك يتسم بالعنف أو بالتهديد به يستهدف إثارة فتنة طائفية أو حرب أهلية أو على أن يتم هذا الفعل بتسليح المواطنين أو حملهم على التسلح بعضهم بعضاً أو تحريضهم على ذلك أو تمويلهم لذلك ومن ثم فالركن المادي يتحقق في هذه الجريمة