[b]بيني وبين هذه الجدران الف يد تمتد لأمل يلوح تارة بالضياع وتارة بالوجود، وجود من يا ترى.. وجودي أم وجود الرب، فيتجلى لي الموقف بمشهد الألم وأنا على أهبة الإستعداد، أنسلخ من جلدي شارداً عن وجودي حين أتضرع بالألم، أذود منه إليه فيستبيح فكري، أرشف البسمة على شفتي كمهرج ٍ حين يضع الألوان عشوائياً على وجهه الممسرح ليثير ضحكة بعض المهرجين العوام ( أقصدُ للسخرية منهُ )، مدعياً السعادة..
أو كلما تهاديتُ إليهِ ضاقت بي السماء، فتعيدني إلى حيث بدأت، يبدو إِني حمّلتها ما لا تستطيع البتَ بهِ مطلقاً.
أعيد الكَرة مرة أخرى فيتجلى لي نور من السماء محدثني إِنكَ أرضي وكروي الفكر ومن أين ستبدأ ستنتهي..!!
الدميُ سخيفةٌ جداً بنظرِ الكبار، لكن! .. ما أروعها بنظر الصغار حين يداعبوها بحركاتٍ تمتزج بين الصحةِ والخيالِ ملتمسين محاكاةٍ طفوليةٍ غريبةٍ وقريبةٍ منهم تفوق خيال الكبار.
أوليس نحن الدمى أم ماذا..؟
نحنُ أعظمُ كذبة ٍ على الوجود ِ، نظل ندور وندور بكرتهِ الأرضية.
أنا أرضي الوجود ممكن، ولكنني حين أفكر .. لست واقعياً أبداً !!
ثمة أشياء لا أشعر بها عندما تُبنى على المشاهدة فقط..
حين يهبط الظلام أشعر بكل الأشياء، تختلف في نظري جميعها..
أوتشعر بي يا عباءة النهار .. يا مُلجم المستبدين .. ويا ملجأ الفقراء .. ويا حانة الصعاليك
أيها الظلام ولا غيرك .. سواك أنتَ يا مُلجئي حين يضيق بي الضوء ليكشف ويكتشف جُرمي .
هكذا ..إن فقد شيء ما تواجد الآخر بديلاً عنه بشكلٍ يفوق خيالنا نحنُ بنو البشر..
كل الأشياء في مخيلتي تتخبط فيما بينها على شكل تهيُئات لامست بها مراراً وتكراراً جنوني المتواصل هذا!!
أشعرُ بالبكاء وبهذا الضيق الذي يطوّقني مِنْ كل ناحيةٍ.
أوعز للأشياء قدومي بحركاتٍ أستدلُ أو تستدلُ بي عليها.
بتُ لا أعلم أي شيءٍ.. أنتَ لم لا تتكلم يا صديق..؟
نطق المغفل : ها أتعلم دعنا ننتقل إلى العالم الآخر ربما نتيه فلا أحد يستطيع معرفة إننا مغفلان
الآخر : تكلم عن نفسك أيها الأبله!!
المغفل: إِنك متطاوس يا صديقي
الآخر : وأنتَ اِستحال وجودكَ على سطح هذه الكروية .. تدور وندور ..
تعلم بدورانها .. ولا نعلم بدوراننا..
هيه أسمع ما أقول، سنذهب الآن إلى المدينة ،فليس عليكَ إلا أنْ تتشبث بي جيداً فأن تهتَ تهنا معاً..!!
إِنسلا إلى المدينة حيث تعج شوارعها بالمارةِ والمركبات والدخان يتصاعدُ مِنْ كل مكان، حتى بدت إِنها قد إِختنقت بمن فيها وجوداً.
لا يعلما إلى أين ولمن هما أصلاً متجهان، ما أراداه بالضبط قتل وحدتهما في عالمهما المضجر، وأخذا التنقل وسط الزحام، وضجيج المركبات يعلو شيئاً فشيئاً، راحا يتخبطا يميناً ويساراً، كاشفا عن وجهيهما علاماتٍ للتعجب حين كان الجميع وبشكلٍ منتظم يدور حولهم !!
هواء بارد يلسع خدي يحملني ويهدهدني بين لحظة وأخرى ما أروع الشعور هذا، أنتِ دوماً هكذا أيُّتها الدنيا أبوابك مترعة للسعادة تُضحكين من تُريدين وتُبكين من تُريدين ثم لا يقوى على سلبكِ أحد، فيعاود علينا بالتأكيد لِسلبنا منكِ، ومن دون سابق إنذار يباغتنا الموت حين يقف على دكاتِ أبوابنا، صارخاً:
خطف أحدكم..
لا تبكوا..
لا تنتحبوا أنتم اللاحقون..
حيث تصبحين " أيُّتها الدنيا أيُّتها المدينة "
لا فرق .. حكاية بلهاء!!
المغفل : أود أنْ أسألك ، هل يرونا هؤلاء الحمقى، وأنْ كانوا يرونا كما أدّعي لم يصطدمون بنا بين لحظةٍ وأخرى، أتعلم إِنهم مغفلون حقاً.
الآخر : طالماً لا ترانا لا نراكَ ولو كنت جبلاً..
هيهات أيُّها الفقاعة..
أنتَ سحلية ولا تتعجب أيُّها العالم،
ما أعظمهُ مَنْ يَرى ولا يُرى .. وما أسخفهُ مَنْ يُرى ولا يَرى،
المغفل : هههههههههه .. وماذا فعلت سوى إِنكَ ضممت الياء في الأولى وفي الثانية فتحتها.
الآخر : كثيراً هم ما يخشون الرعد، صوته المرعب، الرعد مخيف جداً ، برقه هو الآخر يخطف الأبصار خلسةً !!
المغفل : دعنا نختبئ خوفاً من أن ينير أبصارنا فنرى عالمنا القذر على حقيقته البشعة لننير بصيرته أيضاً
الآخر : أو تخشى الحقيقة ، نحن الحقيقة من غير رتوش!!
المغفل : هههههه .. أنت مأفول يا صديقي ..
الآخر : ألا تصدقني الرأي أم إنَّ الفكرة لا تقوى على تصديقكَ أنتَ أيضاً !!
المغفل : دعكَ من هذا .. هيا لا تدعنا وافقين هنا وسط هذا الزحام
الآخر : إذن لنتنـزه قليلاً ولنخفف عنّا هذا الكبت وهذه الهموم التي رقدت في صدورنا منذ أعوام طوال حتى أوقعنا في دكات أحزاننا شابهت وتشابهت فأصبحت جميعها متساوية في النظر.
المغفل : لا.. لا.. لست أوافقك الرأي قط .. لنذهب لشراء كعكة كبيرة جداً، فجوعي عتيق منذ قدوم جدتي للدنيا وما زال وما زالت للآن .
الآخر : أتمازحني .. ماذا ستفعل بها ؟!
المغفل : للإحتفال طبعاً .. هههههههه .. سنحتفل بعيد الميلاد
الآخر : لكن عيد الميلاد لم يحن بعد!!
المغفل : نحن اللذين من يقررا متى يحين عيد الميلاد أو عيد الموتى .. أم لك رأي آخر ..؟!
الآخر : الم أقل لك إنك أحمق
المغفل : خطرت لي فكرة جنونية وجميلة للغاية .. لم لا نذهب إلى السينما .. ما رأيك
الآخر : يبدو إنك جننت حقاً ..ما بك كنت انعتك قبلاً بالمغفل .. ولكنني يبدو إنني سأضيف إليك الجنون .. أيُّها المغفل المجنون.. ماذا دهاك..؟!
المغفل : دع الأمر لي ولا تقلق أبداً ..
ما بِكَ أيُّها المِسخ..
ألا ترى ..؟!
ربااااااااااااه .. ما أروعها .. قالها الشاب
المغفل : إِنني أتكلم معك أم اِنك أصم أيضاً على ما يبدو..
الشاب: عفواً كنت منتبهاً على تلكَ الفتاة فلقد أغراني جمالها الأخاذ وجسدها الممشوق.. ما هذا التناسق المتكامل .. ربما أضاف الخالق بعد الجمال الرباني .. تعديلات أخرى فوتوشوبية (1) .. إِنّها مخلوقة ليست أرضية ملتقطة عيني صورتها وذاكرتي هي الأخرى مصرة على الإِحتفاظ بصورتها وإلى الأبد.
رباااااااه.. ليعجز لساني والدهشة تستحوذ على عيني فأكتفي بالسكات، صدقني لو إنك لمحتها حين مرت بالقرب منك فلن تنظر إلى سواها مطلقاً، لهذا لم انتبه لك مطلقاً.
الآخر : لا بأس نصدقك.. نصدقك ..
المغفل : هل لك أن تدُلنا على سينما قريبة من هنا، فنحن لسنا من هذه المدينة .
الشاب: لا داعي إلى أن تذهبا إلى سينما، إنها سينما متنقلة ألا ترون ذلك، لا بأس لم الإِمتعاض ..
لا تنزعجا، هدئا من روعكما، هنالك واحدة قريبة في نهاية هذا الشارع
المغفل : هيا بنا إذن
وبعد محادثات قصيرة دارت بينهم وصلوا إلى المكان المطلوب، كان أشبه ببرادٍ معتم كنهارٍ اليّل .
هذه هي السينما ، انتظرا هنا سأقتطع لكما تذكرتين وعلى حاسبي الخاص اعتذاراً لكما عما بدا من سوء تصرف
سأعود في الحال.
المغفل : ما به هذا انه يهذي
الآخر : كفى.. كفى .. ألا تصمت ولو لدقيقة واحدة .. انه قادم
تفضلا التذكرتين، هل تودان شيئاً آخراً أيها السيدان
المغفل : نشكرك يا سيدي ، وأنا أعتذر لما بدر مني من تصرف مشين
لا بأس .. إلى اللقاء .. إلى اللقاء ..
المغفل : إلى اللقاء.. اسمع أود أن اجلس في المقاعد الأمامية
الآخر : لا شأن لي، حتى ولو أخرجت هذا الفيلم ..!!
أطفأت الأنوار حين أعلنت الأجراس عن بدء الفيلم
كان المكان أشبه بقبوٍ ، حتى بدا الحضور كإنهم في مأتم .. سواد في سواد، وفي إِبتداء الفيلم كانت فتاة صغيرة تجلس القرفصاء قي زاوية غرفة صغيرة تحاول إطفاء النور فيها، واحتوت الغرفة على منضدة قديمة وشمعدان وقد قارب الضوء على الإنطفاء، اخذ صوت الطفلة يعلو بالبكاء الشديد والضوء يتضائل شيئاً فشيئاً إلى أن انطفأت تماماً
أصبحت شاشة العرض سوداء اللون كقطعة عزاء.
ماذا ستفعل هذه الطفلة المسكينة البائسة وسط هذا الظلام قالها الجالس قربي لصديقه الأبله، اليس الإِستسلام هو الخيار الوحيد السخيف لواقع هذه المخلوقات الضعيفة.
حين يهبط الظلام أشعر بكل الأشياء يا صديقي.. لطالما سمعتك تردد هذه العبارة المؤلمة، ولطالما أوقضت فيَّ أسئلة دفينة بصدري تلوذ دون أجوبة اما لها ان تصرخ لتصفعها أو لتخرسها والى الأبد,, قالها المغفل
الآخر : هنالك أشياء كثيرة لا تُرى وهي حقيقية، ولكن يشعر بوجودها ، ليس المهم أن ترى الناس بعينيك بل بقلبك ، ولأن النقاء كامن في ذات الإنسان، فهو ينبع من الطيبة، ونحن من قتل الطيبة نحن بنو البشر، أو تشعر بكل هذا يا صديق!!
ما بكَ ..؟!
المغفل : أبكي لبكاء الطفلة المسكينة تلك.
الآخر : تعال يا صديقي عانقي بقوة، ودعني أبكي لبكائك
هيا أيها المغفلان .. إِنكما تهذيان منذُ بداية الفيلم.. إِما أن تصمتا إلى الأبد، أو لتخرجا في الحال.
الآخر : هيه .. ما بك أيُّها المسخ، يبدو إِنك تريد أن اِمتلاك أفواهنا أيضاً.
عليكما اللعنة اُخرجا في الحال ، دعوني.. دعوني.. دعوني لأدق عنقيهما وأمزق احشائهما بكلتا يدي هذان الأبلهان
اخرجا أرجوكما لا أريد أن تثار جلبة أكثر من تلك
دعوني أوصلكما إلى المخرج الرئيسي، هذا ما قالها حارس الأمن
الآخر : حسنناً دعنا لا تمسك بنا
المغفل : لا تحزن يا صديقي.. دعنا نتجول في هذه المدينة ولننسى أمر هؤلاء الحمقى.. يبدو إن الجميع في هذه المدينة فض وأبله أيضاً مثل ذلك المسخ.
الآخر : نعم لننسى ذلك ..تشبث بي كي لا تتوه عني، وسأدلك على طريق عودتنا حيث راحتنا الأبدية
صرخ احد المارة مذعوراً بهما:
(( أيُها المغفلان اِحذرا حافلة جنونية قادمة بإتجاهيكما!! ))
الآخر : من أي اتجاهٍ هي قادمة يا صديقي....؟!!
-----------------------------------
1. برنامج في الكومبيوتر لتعديل الصور.
سعد الساعدي
بغداد
saad_poet2006@yahoo.com
أو كلما تهاديتُ إليهِ ضاقت بي السماء، فتعيدني إلى حيث بدأت، يبدو إِني حمّلتها ما لا تستطيع البتَ بهِ مطلقاً.
أعيد الكَرة مرة أخرى فيتجلى لي نور من السماء محدثني إِنكَ أرضي وكروي الفكر ومن أين ستبدأ ستنتهي..!!
الدميُ سخيفةٌ جداً بنظرِ الكبار، لكن! .. ما أروعها بنظر الصغار حين يداعبوها بحركاتٍ تمتزج بين الصحةِ والخيالِ ملتمسين محاكاةٍ طفوليةٍ غريبةٍ وقريبةٍ منهم تفوق خيال الكبار.
أوليس نحن الدمى أم ماذا..؟
نحنُ أعظمُ كذبة ٍ على الوجود ِ، نظل ندور وندور بكرتهِ الأرضية.
أنا أرضي الوجود ممكن، ولكنني حين أفكر .. لست واقعياً أبداً !!
ثمة أشياء لا أشعر بها عندما تُبنى على المشاهدة فقط..
حين يهبط الظلام أشعر بكل الأشياء، تختلف في نظري جميعها..
أوتشعر بي يا عباءة النهار .. يا مُلجم المستبدين .. ويا ملجأ الفقراء .. ويا حانة الصعاليك
أيها الظلام ولا غيرك .. سواك أنتَ يا مُلجئي حين يضيق بي الضوء ليكشف ويكتشف جُرمي .
هكذا ..إن فقد شيء ما تواجد الآخر بديلاً عنه بشكلٍ يفوق خيالنا نحنُ بنو البشر..
كل الأشياء في مخيلتي تتخبط فيما بينها على شكل تهيُئات لامست بها مراراً وتكراراً جنوني المتواصل هذا!!
أشعرُ بالبكاء وبهذا الضيق الذي يطوّقني مِنْ كل ناحيةٍ.
أوعز للأشياء قدومي بحركاتٍ أستدلُ أو تستدلُ بي عليها.
بتُ لا أعلم أي شيءٍ.. أنتَ لم لا تتكلم يا صديق..؟
نطق المغفل : ها أتعلم دعنا ننتقل إلى العالم الآخر ربما نتيه فلا أحد يستطيع معرفة إننا مغفلان
الآخر : تكلم عن نفسك أيها الأبله!!
المغفل: إِنك متطاوس يا صديقي
الآخر : وأنتَ اِستحال وجودكَ على سطح هذه الكروية .. تدور وندور ..
تعلم بدورانها .. ولا نعلم بدوراننا..
هيه أسمع ما أقول، سنذهب الآن إلى المدينة ،فليس عليكَ إلا أنْ تتشبث بي جيداً فأن تهتَ تهنا معاً..!!
إِنسلا إلى المدينة حيث تعج شوارعها بالمارةِ والمركبات والدخان يتصاعدُ مِنْ كل مكان، حتى بدت إِنها قد إِختنقت بمن فيها وجوداً.
لا يعلما إلى أين ولمن هما أصلاً متجهان، ما أراداه بالضبط قتل وحدتهما في عالمهما المضجر، وأخذا التنقل وسط الزحام، وضجيج المركبات يعلو شيئاً فشيئاً، راحا يتخبطا يميناً ويساراً، كاشفا عن وجهيهما علاماتٍ للتعجب حين كان الجميع وبشكلٍ منتظم يدور حولهم !!
هواء بارد يلسع خدي يحملني ويهدهدني بين لحظة وأخرى ما أروع الشعور هذا، أنتِ دوماً هكذا أيُّتها الدنيا أبوابك مترعة للسعادة تُضحكين من تُريدين وتُبكين من تُريدين ثم لا يقوى على سلبكِ أحد، فيعاود علينا بالتأكيد لِسلبنا منكِ، ومن دون سابق إنذار يباغتنا الموت حين يقف على دكاتِ أبوابنا، صارخاً:
خطف أحدكم..
لا تبكوا..
لا تنتحبوا أنتم اللاحقون..
حيث تصبحين " أيُّتها الدنيا أيُّتها المدينة "
لا فرق .. حكاية بلهاء!!
المغفل : أود أنْ أسألك ، هل يرونا هؤلاء الحمقى، وأنْ كانوا يرونا كما أدّعي لم يصطدمون بنا بين لحظةٍ وأخرى، أتعلم إِنهم مغفلون حقاً.
الآخر : طالماً لا ترانا لا نراكَ ولو كنت جبلاً..
هيهات أيُّها الفقاعة..
أنتَ سحلية ولا تتعجب أيُّها العالم،
ما أعظمهُ مَنْ يَرى ولا يُرى .. وما أسخفهُ مَنْ يُرى ولا يَرى،
المغفل : هههههههههه .. وماذا فعلت سوى إِنكَ ضممت الياء في الأولى وفي الثانية فتحتها.
الآخر : كثيراً هم ما يخشون الرعد، صوته المرعب، الرعد مخيف جداً ، برقه هو الآخر يخطف الأبصار خلسةً !!
المغفل : دعنا نختبئ خوفاً من أن ينير أبصارنا فنرى عالمنا القذر على حقيقته البشعة لننير بصيرته أيضاً
الآخر : أو تخشى الحقيقة ، نحن الحقيقة من غير رتوش!!
المغفل : هههههه .. أنت مأفول يا صديقي ..
الآخر : ألا تصدقني الرأي أم إنَّ الفكرة لا تقوى على تصديقكَ أنتَ أيضاً !!
المغفل : دعكَ من هذا .. هيا لا تدعنا وافقين هنا وسط هذا الزحام
الآخر : إذن لنتنـزه قليلاً ولنخفف عنّا هذا الكبت وهذه الهموم التي رقدت في صدورنا منذ أعوام طوال حتى أوقعنا في دكات أحزاننا شابهت وتشابهت فأصبحت جميعها متساوية في النظر.
المغفل : لا.. لا.. لست أوافقك الرأي قط .. لنذهب لشراء كعكة كبيرة جداً، فجوعي عتيق منذ قدوم جدتي للدنيا وما زال وما زالت للآن .
الآخر : أتمازحني .. ماذا ستفعل بها ؟!
المغفل : للإحتفال طبعاً .. هههههههه .. سنحتفل بعيد الميلاد
الآخر : لكن عيد الميلاد لم يحن بعد!!
المغفل : نحن اللذين من يقررا متى يحين عيد الميلاد أو عيد الموتى .. أم لك رأي آخر ..؟!
الآخر : الم أقل لك إنك أحمق
المغفل : خطرت لي فكرة جنونية وجميلة للغاية .. لم لا نذهب إلى السينما .. ما رأيك
الآخر : يبدو إنك جننت حقاً ..ما بك كنت انعتك قبلاً بالمغفل .. ولكنني يبدو إنني سأضيف إليك الجنون .. أيُّها المغفل المجنون.. ماذا دهاك..؟!
المغفل : دع الأمر لي ولا تقلق أبداً ..
ما بِكَ أيُّها المِسخ..
ألا ترى ..؟!
ربااااااااااااه .. ما أروعها .. قالها الشاب
المغفل : إِنني أتكلم معك أم اِنك أصم أيضاً على ما يبدو..
الشاب: عفواً كنت منتبهاً على تلكَ الفتاة فلقد أغراني جمالها الأخاذ وجسدها الممشوق.. ما هذا التناسق المتكامل .. ربما أضاف الخالق بعد الجمال الرباني .. تعديلات أخرى فوتوشوبية (1) .. إِنّها مخلوقة ليست أرضية ملتقطة عيني صورتها وذاكرتي هي الأخرى مصرة على الإِحتفاظ بصورتها وإلى الأبد.
رباااااااه.. ليعجز لساني والدهشة تستحوذ على عيني فأكتفي بالسكات، صدقني لو إنك لمحتها حين مرت بالقرب منك فلن تنظر إلى سواها مطلقاً، لهذا لم انتبه لك مطلقاً.
الآخر : لا بأس نصدقك.. نصدقك ..
المغفل : هل لك أن تدُلنا على سينما قريبة من هنا، فنحن لسنا من هذه المدينة .
الشاب: لا داعي إلى أن تذهبا إلى سينما، إنها سينما متنقلة ألا ترون ذلك، لا بأس لم الإِمتعاض ..
لا تنزعجا، هدئا من روعكما، هنالك واحدة قريبة في نهاية هذا الشارع
المغفل : هيا بنا إذن
وبعد محادثات قصيرة دارت بينهم وصلوا إلى المكان المطلوب، كان أشبه ببرادٍ معتم كنهارٍ اليّل .
هذه هي السينما ، انتظرا هنا سأقتطع لكما تذكرتين وعلى حاسبي الخاص اعتذاراً لكما عما بدا من سوء تصرف
سأعود في الحال.
المغفل : ما به هذا انه يهذي
الآخر : كفى.. كفى .. ألا تصمت ولو لدقيقة واحدة .. انه قادم
تفضلا التذكرتين، هل تودان شيئاً آخراً أيها السيدان
المغفل : نشكرك يا سيدي ، وأنا أعتذر لما بدر مني من تصرف مشين
لا بأس .. إلى اللقاء .. إلى اللقاء ..
المغفل : إلى اللقاء.. اسمع أود أن اجلس في المقاعد الأمامية
الآخر : لا شأن لي، حتى ولو أخرجت هذا الفيلم ..!!
أطفأت الأنوار حين أعلنت الأجراس عن بدء الفيلم
كان المكان أشبه بقبوٍ ، حتى بدا الحضور كإنهم في مأتم .. سواد في سواد، وفي إِبتداء الفيلم كانت فتاة صغيرة تجلس القرفصاء قي زاوية غرفة صغيرة تحاول إطفاء النور فيها، واحتوت الغرفة على منضدة قديمة وشمعدان وقد قارب الضوء على الإنطفاء، اخذ صوت الطفلة يعلو بالبكاء الشديد والضوء يتضائل شيئاً فشيئاً إلى أن انطفأت تماماً
أصبحت شاشة العرض سوداء اللون كقطعة عزاء.
ماذا ستفعل هذه الطفلة المسكينة البائسة وسط هذا الظلام قالها الجالس قربي لصديقه الأبله، اليس الإِستسلام هو الخيار الوحيد السخيف لواقع هذه المخلوقات الضعيفة.
حين يهبط الظلام أشعر بكل الأشياء يا صديقي.. لطالما سمعتك تردد هذه العبارة المؤلمة، ولطالما أوقضت فيَّ أسئلة دفينة بصدري تلوذ دون أجوبة اما لها ان تصرخ لتصفعها أو لتخرسها والى الأبد,, قالها المغفل
الآخر : هنالك أشياء كثيرة لا تُرى وهي حقيقية، ولكن يشعر بوجودها ، ليس المهم أن ترى الناس بعينيك بل بقلبك ، ولأن النقاء كامن في ذات الإنسان، فهو ينبع من الطيبة، ونحن من قتل الطيبة نحن بنو البشر، أو تشعر بكل هذا يا صديق!!
ما بكَ ..؟!
المغفل : أبكي لبكاء الطفلة المسكينة تلك.
الآخر : تعال يا صديقي عانقي بقوة، ودعني أبكي لبكائك
هيا أيها المغفلان .. إِنكما تهذيان منذُ بداية الفيلم.. إِما أن تصمتا إلى الأبد، أو لتخرجا في الحال.
الآخر : هيه .. ما بك أيُّها المسخ، يبدو إِنك تريد أن اِمتلاك أفواهنا أيضاً.
عليكما اللعنة اُخرجا في الحال ، دعوني.. دعوني.. دعوني لأدق عنقيهما وأمزق احشائهما بكلتا يدي هذان الأبلهان
اخرجا أرجوكما لا أريد أن تثار جلبة أكثر من تلك
دعوني أوصلكما إلى المخرج الرئيسي، هذا ما قالها حارس الأمن
الآخر : حسنناً دعنا لا تمسك بنا
المغفل : لا تحزن يا صديقي.. دعنا نتجول في هذه المدينة ولننسى أمر هؤلاء الحمقى.. يبدو إن الجميع في هذه المدينة فض وأبله أيضاً مثل ذلك المسخ.
الآخر : نعم لننسى ذلك ..تشبث بي كي لا تتوه عني، وسأدلك على طريق عودتنا حيث راحتنا الأبدية
صرخ احد المارة مذعوراً بهما:
(( أيُها المغفلان اِحذرا حافلة جنونية قادمة بإتجاهيكما!! ))
الآخر : من أي اتجاهٍ هي قادمة يا صديقي....؟!!
-----------------------------------
1. برنامج في الكومبيوتر لتعديل الصور.
سعد الساعدي
بغداد
saad_poet2006@yahoo.com