العراق - من ضد من ؟
هادي والي الظالمي
لو ان هناك من هو اكثر منا وطنية لسلمناه السلطة .
بهذا المنطق برر دكتاتور العراق المخلوع صدام حسين استبداده وحزب البعث بالحكم لاكثر من ثلاثة عقود .
لاشك ان صدام كان منسجما ، حينها ، مع ذاته ، الا انه لم يكن صادقا قطعا .
ورغم اختلاف الظروف التي جاءت بصدام وحزبه الى السلطة عن تلك التي جاءت بالسيد المالكي وحزبه ، الا ان الخطاب والممارسة السياسية المتسمان بالتحدي والاثارة ، والثرثرة ، تجعل الرجلين والحزبين يدوران في فلك واحد ، يبدأ وينتهي عند ذات النقطة .
فالسيد المالكي كان الاخر منسجما مع ذاته وثقافته السياسية وهو يستجيب لأستثارة الاهازيج العشائرية الحماسية ، ليعلن ان لا احدا قادر على انتزاع السلطة منه ، وبالتالي فليس هناك من اهل لها غيره .
هذا الفهم الاستبدادي ، يرى في السلطة امتيازا يستند الى استحقاق ثابت ، لايرتبط بمتغيرات الاداء او القانون او الزمن او الارادة الشعبية .
صدام ، يرى شرعيته في قوة الانقلاب الذي اتى به الى الحكم .
والمالكي ، يرى هذه الشرعية في التاريخ النضالي له ولحزبه .
ولان تلك الشرعيات اما مشوهة او منقوصة ، فان ثقافة الاستبداد تحاول تجميلها او اظهارها بهالة من الكمال ، من خلال التزييف او الترقيع الحاذق .
ان اسلوب تضخيم المنجز المتحقق ، والتنكيل بالاخر للتنصل من مسؤولية الفشل و التقصير والفساد ، والانجرار وراء نظرية المؤامرة ، مثلت الشواغل الاساسية لكلا المرحلتين المذكورتين ( قبل وبعد التغيير ) ، في تسويق الخطابية السياسية كبديل عن المنجز الغائب .
الا انه وعلى الرغم من عدم امكانية انكار العديد من المنجزات التي تمت في عهد السيد المالكي ، وان جاء اغلبها في سياق الوظيفة الطبيعية للدولة ، اكثر منه الى حذاقة رئيس الوزراء المنتهية ولايته ، فان المخاطر التي تتهدد الدولة العراقية وتجربتها الديمقراطية ، بسبب سياساته ، قد تفوق كل المنجزات المتحققة ، وتتفاعل بذات الانساق والسياقات التي سبقت واوصلت الى احداث 9 نيسان 2003 .
فالسيد المالكي المولود من رحم الطائفية السياسية لم يتمرد على شركائه الذين اوصلوه الى الحكم بسبب رفضه لمنهجهم الطائفي المتقاطع مع المشروع الوطني ، بل كاستجابة لنزعة الانفراد بالسلطة والتي عبر عنها فيما بعد بشكل اوضح .
بدت خطوة المالكي في النأي بنفسه عن التخندق الطائفي شجاعة للوهلة الاولى ، فكانت وراء الدعم الكبيرالذي حصلت عليه قائمته في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة . لقد اغرت تلك النتائج المالكي وحزبه على اعادة خوض ذات التجربة في الانتخابات التشريعية اللاحقة ، تحت هاجس تشكيل حكومة اكثرية ، الا ان النتائج المخيبة للامال ، اطاحت بحسابات المالكي هذه المرة ، وافقدته توازناته ، اذ جاءت قائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي ثانيا بعد كتلة العراقية و لم تنل سوى 27 بالمائة من اصوات المقترعين الذين لم تتجاوز نسبتهم 60 بالمائة من عدد
الناخبين ، وهذه النتيجة لاتحقق تفردا او تميزا عن القوائم الاخرى .
ما افرزته الانتخابات جعل الوعد - الهاجس الذي قطعه المالكي ، اثناء المهرجان الارتجالي العشائري بعدم تسليم السلطة ، على محك الاختبار . طبعا ، ماقاله المالكي لم يكن زلة لسان ولو كان كذلك لتم الاعتذار عنه ، بل هو يستند الى ثقافة الاستبداد التي تنكر الوقوع في الخطأ وتأنف الاعتذار . هذه الثقافة وجدت اسقاطاتها على الواقع في الممارسات الاقصائية لشركاء الامس وشركاء العملية السياسية وحتى شركاء الوطن ، في الاستيلاء على الحلقات المفصلية في مؤسسات الدولة واجهزتها لصالح الحزب الواحد .
واقع مابعد النتائج الصادم استدعى تغييرا في قواعد المواجهة مع الخصوم الجدد ليطال هذه المرة ساحة القضاء العراقي . والقضاء العراقي المشهود له بخبراته وكفائته لم يكن يوما محصنا سياسيا ، على الاقل خلال العقود الاربعة الاخيرة ، وقد مارس القضاء خلال حكم صدام دورا تجاه ابرياء الشعب العراقي يندى له الجبين . كما ان واقع التداعيات السياسية والامنية الحالية تجعل فرضية حصانة القضاء امرا مشكوكا فيه ، وقد عبرت عن ذلك الاراء والقرارات التي صدرت عن هيئات قضائية عليا وجاءت مرتبكة او متناقضة او خجولة وتوفيقية . يضاف الى ذلك ان السيد مدحت المحمود
الذي يقف على رأس المؤسسة القضائية والمشهود له بنزاهته يجمع بين يديه رئاسة مجلس القضاء الاعلى ، ورئاسة المحكمة الاتحادية العليا ، ورئاسة محكمة التمييز العليا ، على خطورة هذه الهيئات ، في ظاهرة قد لايجد لها الكثير من القانونيين والخبراء والمهتمين مبررا او تفسيرا ، امام فرضية اختلاف وظائف هذه الهيئات القضائية واستقلال مهامها ، اضافة الى كمها الهائل .
ان استبداد السلطة التنفيذية المنتهية ولايتها ، واستخدامها لوظيفة الدولة في تنفيذ ارادة سياسية حزبية في اعاقة التغيير الديمقراطي ، مع غياب الرقيب الدستوري المتمثل بمجلس النواب ، وعدم الاطمئنان الى قدرة السلطة القضائية في مواجهة الضغط السياسي لقوى نافذة ، مع الرغبة المبيتة والمعلنة في اقصاء القائمة الفائزة الاولى عن استحقاقها الدستوري ، تجعل الطريق الى حلول سياسية دستورية مغلقا .
ان موقف القوى السياسية الممسكة بالسلطة تجاة القائمة العراقية ورئيسها الدكتور اياد علاوي لم يكن متاتيا عن الشك في النتائج التي حققتها العراقية ، كما انه لايرتبط بطبيعة مكوناتها ، بل انه سابق على ذلك ، ويمثل منهجا في استبعاد المشروع الوطني الذي يضمن بناء الدولة المدنية القائمة على مبدأ المواطنة والمنغمسة في الشراكة والتعاون مع المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي ، كما انه يرتكز الى ثقافة الاستبداد والشمولية التي تطبع العقيدة الفكرية لقوى السلطة ، لذا فهو لا يلحظ ارادة اكثر من ثلاثة ملايين عراقي صوتوا لهذه القائمة .
التآمر المستمر على قائمة الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق لم يكن مفاجئا ، فالمنهجية العقائدية الشمولية للمؤسسة السياسية الحاكمة لاتسمح بالتغيير . فكان لابد من الاستعانة بالمجتمع الدولي الذي يشكل الشعب العراقي جزءا منه لانفاذ ارادة التغيير .
ان الاستعانة بالمجتمع الدولي الذي ساهم في اسقاط الدكتاتورية السابقة لايمثل انتقاصا للسيادة العراقية او رهنا للقرار العراقي بالارادة الخارجية ، بل يمثل قطعا للطريق امام رغبة البعض في اعتبار الشأن الداخلي حكرا على الحاكمين ليستبدوا بشعوبهم في تقييد وانتهاك الحريات والحقوق الانسانية .
ان اللجوء الى المنظمة الدولية والمجتمع الدولي لحماية التجربة الديمقراطية لايعبر عن رغبة الاستقواء باطراف خارجية لفرض ارادة سياسية معينة ، بل يعبر عن استباق مبكر لمنع بروز دكتاتورية جديدة تعيد العراق الى مربع الصراع مع جواره الاقليمي والمحيط الدولي ، وبالتالي اعادة احتلال جديد وفرض وصاية دولية لاتنتهي .
هادي والي الظالمي
Hadi_whali@yahoo.com
هادي والي الظالمي
لو ان هناك من هو اكثر منا وطنية لسلمناه السلطة .
بهذا المنطق برر دكتاتور العراق المخلوع صدام حسين استبداده وحزب البعث بالحكم لاكثر من ثلاثة عقود .
لاشك ان صدام كان منسجما ، حينها ، مع ذاته ، الا انه لم يكن صادقا قطعا .
ورغم اختلاف الظروف التي جاءت بصدام وحزبه الى السلطة عن تلك التي جاءت بالسيد المالكي وحزبه ، الا ان الخطاب والممارسة السياسية المتسمان بالتحدي والاثارة ، والثرثرة ، تجعل الرجلين والحزبين يدوران في فلك واحد ، يبدأ وينتهي عند ذات النقطة .
فالسيد المالكي كان الاخر منسجما مع ذاته وثقافته السياسية وهو يستجيب لأستثارة الاهازيج العشائرية الحماسية ، ليعلن ان لا احدا قادر على انتزاع السلطة منه ، وبالتالي فليس هناك من اهل لها غيره .
هذا الفهم الاستبدادي ، يرى في السلطة امتيازا يستند الى استحقاق ثابت ، لايرتبط بمتغيرات الاداء او القانون او الزمن او الارادة الشعبية .
صدام ، يرى شرعيته في قوة الانقلاب الذي اتى به الى الحكم .
والمالكي ، يرى هذه الشرعية في التاريخ النضالي له ولحزبه .
ولان تلك الشرعيات اما مشوهة او منقوصة ، فان ثقافة الاستبداد تحاول تجميلها او اظهارها بهالة من الكمال ، من خلال التزييف او الترقيع الحاذق .
ان اسلوب تضخيم المنجز المتحقق ، والتنكيل بالاخر للتنصل من مسؤولية الفشل و التقصير والفساد ، والانجرار وراء نظرية المؤامرة ، مثلت الشواغل الاساسية لكلا المرحلتين المذكورتين ( قبل وبعد التغيير ) ، في تسويق الخطابية السياسية كبديل عن المنجز الغائب .
الا انه وعلى الرغم من عدم امكانية انكار العديد من المنجزات التي تمت في عهد السيد المالكي ، وان جاء اغلبها في سياق الوظيفة الطبيعية للدولة ، اكثر منه الى حذاقة رئيس الوزراء المنتهية ولايته ، فان المخاطر التي تتهدد الدولة العراقية وتجربتها الديمقراطية ، بسبب سياساته ، قد تفوق كل المنجزات المتحققة ، وتتفاعل بذات الانساق والسياقات التي سبقت واوصلت الى احداث 9 نيسان 2003 .
فالسيد المالكي المولود من رحم الطائفية السياسية لم يتمرد على شركائه الذين اوصلوه الى الحكم بسبب رفضه لمنهجهم الطائفي المتقاطع مع المشروع الوطني ، بل كاستجابة لنزعة الانفراد بالسلطة والتي عبر عنها فيما بعد بشكل اوضح .
بدت خطوة المالكي في النأي بنفسه عن التخندق الطائفي شجاعة للوهلة الاولى ، فكانت وراء الدعم الكبيرالذي حصلت عليه قائمته في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة . لقد اغرت تلك النتائج المالكي وحزبه على اعادة خوض ذات التجربة في الانتخابات التشريعية اللاحقة ، تحت هاجس تشكيل حكومة اكثرية ، الا ان النتائج المخيبة للامال ، اطاحت بحسابات المالكي هذه المرة ، وافقدته توازناته ، اذ جاءت قائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي ثانيا بعد كتلة العراقية و لم تنل سوى 27 بالمائة من اصوات المقترعين الذين لم تتجاوز نسبتهم 60 بالمائة من عدد
الناخبين ، وهذه النتيجة لاتحقق تفردا او تميزا عن القوائم الاخرى .
ما افرزته الانتخابات جعل الوعد - الهاجس الذي قطعه المالكي ، اثناء المهرجان الارتجالي العشائري بعدم تسليم السلطة ، على محك الاختبار . طبعا ، ماقاله المالكي لم يكن زلة لسان ولو كان كذلك لتم الاعتذار عنه ، بل هو يستند الى ثقافة الاستبداد التي تنكر الوقوع في الخطأ وتأنف الاعتذار . هذه الثقافة وجدت اسقاطاتها على الواقع في الممارسات الاقصائية لشركاء الامس وشركاء العملية السياسية وحتى شركاء الوطن ، في الاستيلاء على الحلقات المفصلية في مؤسسات الدولة واجهزتها لصالح الحزب الواحد .
واقع مابعد النتائج الصادم استدعى تغييرا في قواعد المواجهة مع الخصوم الجدد ليطال هذه المرة ساحة القضاء العراقي . والقضاء العراقي المشهود له بخبراته وكفائته لم يكن يوما محصنا سياسيا ، على الاقل خلال العقود الاربعة الاخيرة ، وقد مارس القضاء خلال حكم صدام دورا تجاه ابرياء الشعب العراقي يندى له الجبين . كما ان واقع التداعيات السياسية والامنية الحالية تجعل فرضية حصانة القضاء امرا مشكوكا فيه ، وقد عبرت عن ذلك الاراء والقرارات التي صدرت عن هيئات قضائية عليا وجاءت مرتبكة او متناقضة او خجولة وتوفيقية . يضاف الى ذلك ان السيد مدحت المحمود
الذي يقف على رأس المؤسسة القضائية والمشهود له بنزاهته يجمع بين يديه رئاسة مجلس القضاء الاعلى ، ورئاسة المحكمة الاتحادية العليا ، ورئاسة محكمة التمييز العليا ، على خطورة هذه الهيئات ، في ظاهرة قد لايجد لها الكثير من القانونيين والخبراء والمهتمين مبررا او تفسيرا ، امام فرضية اختلاف وظائف هذه الهيئات القضائية واستقلال مهامها ، اضافة الى كمها الهائل .
ان استبداد السلطة التنفيذية المنتهية ولايتها ، واستخدامها لوظيفة الدولة في تنفيذ ارادة سياسية حزبية في اعاقة التغيير الديمقراطي ، مع غياب الرقيب الدستوري المتمثل بمجلس النواب ، وعدم الاطمئنان الى قدرة السلطة القضائية في مواجهة الضغط السياسي لقوى نافذة ، مع الرغبة المبيتة والمعلنة في اقصاء القائمة الفائزة الاولى عن استحقاقها الدستوري ، تجعل الطريق الى حلول سياسية دستورية مغلقا .
ان موقف القوى السياسية الممسكة بالسلطة تجاة القائمة العراقية ورئيسها الدكتور اياد علاوي لم يكن متاتيا عن الشك في النتائج التي حققتها العراقية ، كما انه لايرتبط بطبيعة مكوناتها ، بل انه سابق على ذلك ، ويمثل منهجا في استبعاد المشروع الوطني الذي يضمن بناء الدولة المدنية القائمة على مبدأ المواطنة والمنغمسة في الشراكة والتعاون مع المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي ، كما انه يرتكز الى ثقافة الاستبداد والشمولية التي تطبع العقيدة الفكرية لقوى السلطة ، لذا فهو لا يلحظ ارادة اكثر من ثلاثة ملايين عراقي صوتوا لهذه القائمة .
التآمر المستمر على قائمة الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق لم يكن مفاجئا ، فالمنهجية العقائدية الشمولية للمؤسسة السياسية الحاكمة لاتسمح بالتغيير . فكان لابد من الاستعانة بالمجتمع الدولي الذي يشكل الشعب العراقي جزءا منه لانفاذ ارادة التغيير .
ان الاستعانة بالمجتمع الدولي الذي ساهم في اسقاط الدكتاتورية السابقة لايمثل انتقاصا للسيادة العراقية او رهنا للقرار العراقي بالارادة الخارجية ، بل يمثل قطعا للطريق امام رغبة البعض في اعتبار الشأن الداخلي حكرا على الحاكمين ليستبدوا بشعوبهم في تقييد وانتهاك الحريات والحقوق الانسانية .
ان اللجوء الى المنظمة الدولية والمجتمع الدولي لحماية التجربة الديمقراطية لايعبر عن رغبة الاستقواء باطراف خارجية لفرض ارادة سياسية معينة ، بل يعبر عن استباق مبكر لمنع بروز دكتاتورية جديدة تعيد العراق الى مربع الصراع مع جواره الاقليمي والمحيط الدولي ، وبالتالي اعادة احتلال جديد وفرض وصاية دولية لاتنتهي .
هادي والي الظالمي
Hadi_whali@yahoo.com