لأننا منافقون
أعرف أنه سيأتي اليوم الذي أشتاق فيه لسماع توبيخها فلا أجده
الذي أبحث فيه عن يدها كي أقبلها وأمرغها بدموعي كأطيب بلسم لجروحي فلا أجدها
فلماذا أبخسها حقها قبل ذلك اليوم ؟؟!!
إنني غالبا , أقصد أحيانا – عياذا بالله وكيف يحلو في المبتدى النفاق – ما أحادث نفسي أني سأكون أكثر لطفا وتأدبا معها .. أكثر اهتماما بها عوضا عن الهروب المستمر لغرفتي والتحجج بكثرة المشاغل والضغوط ..
وأنا أكتب في هذا الموضوع لأنه عن سابق اطلاع على الأوضاع من حولي فالغالبية العظمى تعاني من هذا الشيء المفقود " بر الوالدين " ..
ويوما ما حين كنت أقلب في صفحات النت عثرت على الحقيقة المرة التي لم أكن أريد التيقن منها لأنها مرة ..
كان أحد الأعضاء يتساءل : لماذا أصبح " بر الوالدين " حلما جميلا , لا يمت للواقع بصلة ؟
فرد عليه آخر بصريح العبارة : لأننا منافقون !!
إننا في العمل نستطيع أن " نطبطب " على زملائنا ونتفهم مشاكلهم .. مع أصدقائنا نستطيع أن نخدمهم " بعيوننا " .. مع مدرائنا نستطيع أن نتقبل جميع أوامرهم وغطرستهم مع ابتسامة واسعة وكلمة " ابشر " تخرج وكأنها مبرمجة لهم ..
كما أننا أمام الناس نستطيع أن ننصاع لأوامر الوالدين بكل صدر رحب , ونلبي طلباتهم على وجه السرعة وكأننا " الأتقياء البررة " , أما حين تسترنا الأبواب خلفها " خلي الطابق مستور "
ورغم علمي أن هناك أشياء بسيطة قد تجعلك سعيدا فما زلت أتخبط .. تقبيلي ليدها كان يجعلني أرى ذلك اليوم ورديا جميلا .. تلبيتي لطلبها وعبارة " الله يرضى عليكي " بعدها كانت تضرم داخلي مشاعر قوية إلى حد البكاء ..
قبل زمن توفيت جارة لنا , وبعد انتهاء العزاء -وأمي وأختي على وشك المغادرة - أقبلت ابنتها متجهة إلى أختي التي ارتسمت على وجهها ابتسامة تساؤل , وكانت أمي قد سبقتها إلى السيارة ..
ما فعلته كان شيئا بسيطا جدا .. ضغطت على كف أختي بكلتا يديها وهي تمهس بصوت يملؤه الألم :
الله الله في أمك ..
والله .. إن لفراقها لحرقة لا يعرفها إلا من ذاقها ..
هل تعرف معنى أن ينقلب العالم على رأسك فجأة ..
نعم .. كان هذا هو الإحساس الذي انتابها ..
تفجرت الدموع من عينيها دون إرادتها .. سارعت بتغطية وجهها واللحاق بأمي , وهي تمسح وجهها الذي تغطى بالدموع وتقول للتمويه : ياه .. الدنيا حر ..
داخل السيارة كان منظرها محزنا وهي تحاول أن تكتم شهقاتها وانتفاض جسدها من شدة البكاء.
أوصلوها لمنزلها في حال تعجز عن وصفها ..
قابلتني بعد يومين وأنبأتني عما حدث ..
هل قلت في البدء أنني أعرف ؟؟
إنني الآن لا أعرف !!
لا أعرف شيئا سوى أنها جعلتني أبكي كما لم أبك منذ زمن ..
منقول