ذكريات تلفزيون بغداد أقدم محطات الشرق
ذكريات تلفزيون بغداد أقدم محطات الشرق
في الثاني من آيار عام 1956 وفي الساعة الخامسة مساء كان البغداديون، يلتفون حول أجهزة التلفزيون الجديدة يترقبون لحظة إفتتاح محطة تلفزيون بغداد من قبل المرحوم الملك فيصل الثاني ملك العراق، الذي دشّن إفتتاح أول محطة تلفزيون في الشرق الاوسط والوطن العربي والمنطقة.
وقام الملك ومن معه من كبار المسؤولين بافتتاح المحطة في منطقة الصالحية ببغداد، وكانت عبارة عن قاعة (بنكلة) وهو ستوديو التلفزيون الوحيد، لاتتجاوز مساحته الـ150 مترا مربعا.
وتعود قصة التلفزيون العراقي الوليد إلى مناسبة افتتاح المعرض التجاري البريطاني العراقي المشترك عام 1956 على مساحة من الارض تقابل بناية الاذاعة العراقية في الصالحية (حاليا هي موقع فندق ميليا المنصور)، وتضمّن المعرض المذكور فرعاً لشركة (باي) البريطانية التي عرضت إستديو بث تلفزيوني داخلي مع عدد من الكاميرات في المعرض، والذي حاز اعجاب ودهشة الناس وهم يتفرجون على اول بث تلفزيوني، فقد كان الناس مندهشين وهم يشاهدون صورهم تتحرك على شاشة التلفزيونات المعروضة في المعرض البريطاني التجاري.
جلالة الملك / فيصل الثاني في أحدى أقسام التلفزيون
وقبل انتهاء فترة المعرض صدرت ارادة ملكية بشراء استديو البث والكاميرات التي عرضتها شركة باي، وتحويلها الى مبنى الاذاعة والتلفزيون المقابل للمعرض، وتم بناء (بنكلة) استديو البث خلف مبنى الاذاعة العراقية، كما تم تكليف احد الصناعيين العراقيين بانشاء برج البث الحديدي استغرق انشاؤه ثلاث شهور، وارسلت شركة (باي) البريطانية ثمانية خبراء باشروا بالعمل وبدأت المرحلة التجريبية للتلفزيون وكانت السارية انذاك تبث مسافة (25) كم فقط أي بحدود العاصمة فقط!!
أتذكر جيداً كيف كانت العوائل البغدادية تجلس متسمرة امام الصندوق الاعجوبة الصغير، التلفاز، تنتظر اطلالة المذيع بعد بث السلام الملكي، وهو يظهر على الشاشة مبتسما ابتسامة خفيفة:
"هنا محطة تلفزيون بغداد تحييكم وتبث برامجها على القناة 8 أول محطة تلفزيون في الشرق الأوسط" ..
المشاهدون، كان دورهم التفرج والحكم بالنجاح او الفشل على ما يشاهدونه، اما هؤلاء الذين يجلسون وراء هذا الصندوق الصغير، على حد تعبير الناس في ذلك الوقت ، فهم باعثو الحياة لاشياء تكاد تكون عقيمة بحكم الظروف السيئة التي تحيط بهم، فمن امكانات بسيطة متواضعة الى قلة الكادر الذي لايفي بابسط متطلبات العمل الفني، انطلقت اول محطة تلفاز عربية. وكان الوقع على الناس مختلفا، والموقف كان متفاوتا، البعض رأى فيه (حراماً) وبعض عجائزنا كن يلففن العباءة على اجسادهن ووجوههن خشية ان يكون المذيع الظاهر في شاشة التلفاز حيّ يتفرج عليهن وهذا حرام ولا يصح في نظرهن!!.. كما أنه لم يكن بوسع البيوت العراقية جميعا امتلاك جهاز تلفزيون، فكان التلفزيون حكرا للاغنياء والمتمكنين ماديا، الذين كان بعضهم يتقبلون بترحيب أو أحياناً على مضض زيارة (الجوارين) للتمتع معهم بمشاهدة برامج التلفزيون من السادسة مساء حتى العاشرة ليلا حينها!!!
Dim lights
بعد الافتتاح تلاوة من القرآن الكريم للمقرئ العراقي الشهير الحافظ خليل إسماعيل يرحمه الله، ثم كلمة لجلالة الملك المعظم. ثم كانت اول حفلة غنائية بثت مباشرة من الاستديو اشترك في احيائها الراحلان ناظم الغزالي وحضيري ابو عزيز والفنانة عفيفة اسكندر وآخرون، وكان البث من المحطة مباشراً دون تسجيل. وبقيت الحفلات الغنائية والبرامج الحوارية، والتمثيليات التلفزيونية وبرامج المنوعات تبث مباشرة دون تسجيل حيث لم يدخل التسجيل الفيديوي في تلفزيون بغداد الا عام 1964 وذهبت برامج وتمثيليات ماقبله هباءً دون توثيق ولا تسجيل الكثير من البرامج والتمثيليات الرائعة التي قدمها التلفزيون العراقي منذ تاسيسه لغاية ادخال تقنية الفيديوتيب.
علما ان الفنان الكبير الراحل ناظم الغزالي توفي في 13/11/ 1963 ولم تكن محطة تلفزيون بغداد تمتلك تسجيلا واحدا له لولا المجموعة التي اهدتها محطة تلفزيون الكويت عام 1963 إلى التلفزيون العراقي عن حفلات حية مسجلة للراحل ناظم الغزالي سجلت في تلفزيون الكويت الذي كان ثاني محطة تلفزيون في المنطقة.
من أوائل برامج الأطفال على شاشة تلفزيون بغداد كان برنامج جنة الأطفال من إعداد وتقديم (عمو زكي) وهو من أشهر برامج الأطفال وقد شاركت في بعض حلقاته، كما كان هناك برنامج للاطفال مثير ويتابعه الأطفال هو برنامج (جحا والأطفال) وكان يعده ويخرجه الفنان العراقي المبدع خليل شوقي وهو يعتبر من احب البرامج للأطفال المشاهدين آنذاك خاصة ان جحا يحكي لهم قصصاً ويقدم لهم افلاماً للكارتون ويوزع عليهم الحلوى التي كان جحا يضطر لشرائها على حسابه من اجل اسكات الاطفال الذين يبكون في البرنامج خاصة ان البث التلفزيوني على الهواء. . كما كان هناك برنامج للسلامة العامة المرورية يقدمه المرحوم عدنان عبدالمجيد. كما كان عالم الاجتماع العراقي علي الوردي يقدم برنامجا اسبوعيا في قضايا اجتماعية.
وكان الدكتور مصطفى جواد يقدم برنامجا في التاريخ مع زملائه الدكاترة فؤاد عباس وحسين امين وسالم الآلوسي.
ويسرني أن أعرض للقارئ الكريم جدولا تنشره الصحافة العراقية كل يوم عن عرض برامج تلفزيون بغداد وهو ليوم 8/5/1957 حيث كان التلفزيون يفتتح بالساعة السادسة، ويبتدئ بتلاوة عطرة من القرآن الكريم، ثم أفلام كارتون، وفي السادسة تبدأ برامج الأطفال - بث مباشر -، وفي السابعة عرض الجزء الأول من فيلم الوردة الحمراء، حتى السابعة والنصف حيث نشرة الأخبار، تليها منوعات موسيقية، وفي الثامن برنامج الصحة في العراق من اعداد وزارة الصحة، ثم في الثامنة والنصف عرض لأخبار الأسبوع، وهو ذات الفيلم الذي كان يبث من صالات السينما البغدادية كمقدمة قبل عرض الفيلم المحدد، وفي الساعة 8،40 تبدأ حفلة غنائية مباشرة من الاستديو البنكلة للمطربة عزيمة توفيق وللمطرب محمد عبدالمحسن، حتى الساعة التاسعة حيث يتم نقل حفلة باليه من قاعة الملك فيصل الثاني وفي الساعة الحادية عشرة يعلن السلام الملكي وختام البث. أليس برنامجا خفيفا ومريحا لايثقل كاهل الناس بالسهر ويؤخر الطلاب عن النهوض المبكر لمدارسهم؟؟
__________________
منقول
ذكريات تلفزيون بغداد أقدم محطات الشرق
في الثاني من آيار عام 1956 وفي الساعة الخامسة مساء كان البغداديون، يلتفون حول أجهزة التلفزيون الجديدة يترقبون لحظة إفتتاح محطة تلفزيون بغداد من قبل المرحوم الملك فيصل الثاني ملك العراق، الذي دشّن إفتتاح أول محطة تلفزيون في الشرق الاوسط والوطن العربي والمنطقة.
وقام الملك ومن معه من كبار المسؤولين بافتتاح المحطة في منطقة الصالحية ببغداد، وكانت عبارة عن قاعة (بنكلة) وهو ستوديو التلفزيون الوحيد، لاتتجاوز مساحته الـ150 مترا مربعا.
وتعود قصة التلفزيون العراقي الوليد إلى مناسبة افتتاح المعرض التجاري البريطاني العراقي المشترك عام 1956 على مساحة من الارض تقابل بناية الاذاعة العراقية في الصالحية (حاليا هي موقع فندق ميليا المنصور)، وتضمّن المعرض المذكور فرعاً لشركة (باي) البريطانية التي عرضت إستديو بث تلفزيوني داخلي مع عدد من الكاميرات في المعرض، والذي حاز اعجاب ودهشة الناس وهم يتفرجون على اول بث تلفزيوني، فقد كان الناس مندهشين وهم يشاهدون صورهم تتحرك على شاشة التلفزيونات المعروضة في المعرض البريطاني التجاري.
جلالة الملك / فيصل الثاني في أحدى أقسام التلفزيون
وقبل انتهاء فترة المعرض صدرت ارادة ملكية بشراء استديو البث والكاميرات التي عرضتها شركة باي، وتحويلها الى مبنى الاذاعة والتلفزيون المقابل للمعرض، وتم بناء (بنكلة) استديو البث خلف مبنى الاذاعة العراقية، كما تم تكليف احد الصناعيين العراقيين بانشاء برج البث الحديدي استغرق انشاؤه ثلاث شهور، وارسلت شركة (باي) البريطانية ثمانية خبراء باشروا بالعمل وبدأت المرحلة التجريبية للتلفزيون وكانت السارية انذاك تبث مسافة (25) كم فقط أي بحدود العاصمة فقط!!
أتذكر جيداً كيف كانت العوائل البغدادية تجلس متسمرة امام الصندوق الاعجوبة الصغير، التلفاز، تنتظر اطلالة المذيع بعد بث السلام الملكي، وهو يظهر على الشاشة مبتسما ابتسامة خفيفة:
"هنا محطة تلفزيون بغداد تحييكم وتبث برامجها على القناة 8 أول محطة تلفزيون في الشرق الأوسط" ..
المشاهدون، كان دورهم التفرج والحكم بالنجاح او الفشل على ما يشاهدونه، اما هؤلاء الذين يجلسون وراء هذا الصندوق الصغير، على حد تعبير الناس في ذلك الوقت ، فهم باعثو الحياة لاشياء تكاد تكون عقيمة بحكم الظروف السيئة التي تحيط بهم، فمن امكانات بسيطة متواضعة الى قلة الكادر الذي لايفي بابسط متطلبات العمل الفني، انطلقت اول محطة تلفاز عربية. وكان الوقع على الناس مختلفا، والموقف كان متفاوتا، البعض رأى فيه (حراماً) وبعض عجائزنا كن يلففن العباءة على اجسادهن ووجوههن خشية ان يكون المذيع الظاهر في شاشة التلفاز حيّ يتفرج عليهن وهذا حرام ولا يصح في نظرهن!!.. كما أنه لم يكن بوسع البيوت العراقية جميعا امتلاك جهاز تلفزيون، فكان التلفزيون حكرا للاغنياء والمتمكنين ماديا، الذين كان بعضهم يتقبلون بترحيب أو أحياناً على مضض زيارة (الجوارين) للتمتع معهم بمشاهدة برامج التلفزيون من السادسة مساء حتى العاشرة ليلا حينها!!!
Dim lights
بعد الافتتاح تلاوة من القرآن الكريم للمقرئ العراقي الشهير الحافظ خليل إسماعيل يرحمه الله، ثم كلمة لجلالة الملك المعظم. ثم كانت اول حفلة غنائية بثت مباشرة من الاستديو اشترك في احيائها الراحلان ناظم الغزالي وحضيري ابو عزيز والفنانة عفيفة اسكندر وآخرون، وكان البث من المحطة مباشراً دون تسجيل. وبقيت الحفلات الغنائية والبرامج الحوارية، والتمثيليات التلفزيونية وبرامج المنوعات تبث مباشرة دون تسجيل حيث لم يدخل التسجيل الفيديوي في تلفزيون بغداد الا عام 1964 وذهبت برامج وتمثيليات ماقبله هباءً دون توثيق ولا تسجيل الكثير من البرامج والتمثيليات الرائعة التي قدمها التلفزيون العراقي منذ تاسيسه لغاية ادخال تقنية الفيديوتيب.
علما ان الفنان الكبير الراحل ناظم الغزالي توفي في 13/11/ 1963 ولم تكن محطة تلفزيون بغداد تمتلك تسجيلا واحدا له لولا المجموعة التي اهدتها محطة تلفزيون الكويت عام 1963 إلى التلفزيون العراقي عن حفلات حية مسجلة للراحل ناظم الغزالي سجلت في تلفزيون الكويت الذي كان ثاني محطة تلفزيون في المنطقة.
من أوائل برامج الأطفال على شاشة تلفزيون بغداد كان برنامج جنة الأطفال من إعداد وتقديم (عمو زكي) وهو من أشهر برامج الأطفال وقد شاركت في بعض حلقاته، كما كان هناك برنامج للاطفال مثير ويتابعه الأطفال هو برنامج (جحا والأطفال) وكان يعده ويخرجه الفنان العراقي المبدع خليل شوقي وهو يعتبر من احب البرامج للأطفال المشاهدين آنذاك خاصة ان جحا يحكي لهم قصصاً ويقدم لهم افلاماً للكارتون ويوزع عليهم الحلوى التي كان جحا يضطر لشرائها على حسابه من اجل اسكات الاطفال الذين يبكون في البرنامج خاصة ان البث التلفزيوني على الهواء. . كما كان هناك برنامج للسلامة العامة المرورية يقدمه المرحوم عدنان عبدالمجيد. كما كان عالم الاجتماع العراقي علي الوردي يقدم برنامجا اسبوعيا في قضايا اجتماعية.
وكان الدكتور مصطفى جواد يقدم برنامجا في التاريخ مع زملائه الدكاترة فؤاد عباس وحسين امين وسالم الآلوسي.
المرحوم / عبدالسلام عارف يذيع البيان رقم واحد/ 1958
كانت محطة تلفزيون بغداد هدفا لجميع الانقلابات التي حصلت ونجحت أو فشلت، ففي صبيحة 14 تموز اقتحمها العقيد عبدالسلام عارف ليذيع البيان الاول للحركة 14 تموز، ثم في 8 شباط 1963 تعرض التلفزيون إلى اقتحام منفذي حركة 14 رمضان، وشهدت الإذاعة إعدام عبدالكريم قاسم ورفاقه في مبنى الإذاعة والتلفزيون، وفي 18 نوفمبر 1963 كان عبدالسلام عارف يبث بيانه من محطة التلفزيون بانتهاء مرحلة الحرس القومي.
أحمد حسن البكر يعلن أنقلاب / 30 تموز.. في أقصى اليسار / صدام حسين
وفي 17 تموز 1968 تم اقتحام المحطة ليذاع البيان رقم 1 بانهاء حكم عبدالرحمن عارف، وتكررت المسالة ذاتها يوم 30 تموز 1968 ليذاع بيان احمد حسن البكر بطرد عبدالرزاق النايف وعبدالرحمن الداوود. هذا عدا عن المحاولات الفاشلة التي حصلت بين آونة واخرى بين 1958 و1968 وكانت محطة التلفزيون الهدف الاول للانقلابيين أو المتآمرين (حسب مقتضى الحال!!) لأنهم يعرفون التأثير الكبير للتلفزيون على الناس اعلاميا ونفسيا.
تلفزيون بغداد إذ يحتفل اليوم بذكرى انطلاقته، فإنه بات اليوم للأسف وريثاً هجيناً ممسوخاً عن ذلك التلفزيون البرئ، فبالرغم من ان البث صار اليوم فضائيا عبر الأقمار الصناعية لجميع العالم، وتطورت صناعة التلفزيون، والمحطة العراقية الوحيدة والاولى في الشرق الاوسط، صارت اليوم خمسين محطة تحمل اسم محطة تلفزيون عراقية !! منها الحكومي ومنها الحزبي ومنها المستقل، تبث مختلف الانواع، من رسائل طائفية وعرقية، وحزبية، وطائفية، وتلفزيونات للخناعة والميوعة، الا من رحم ربك، والناس اليوم صارت تترحم على المرحوم تلفزيون بغداد، وتلك الايام التي كان (تلفزيون واحد) يبث، بقناة واحدة، تجمع الناس على البراءة والمؤانسة، وكانت العائلة تجد متعتها فيما تشاهد مهما كانت المادة بسيطة ومكررة، اما اليوم فان 90% من العراقيين ماعادوا يتابعون قناة عراقية واحدة بل صارت تطلعاتهم واهواؤهم وراحتهم في مشاهدة تلفزيونات الغير، ونسيان الهموم العراقية التي تذكرهم بها فضائيات غريبة التمويل، تبث الفتنة والاحتراب والسفاهة. من حق الناس ان تترحم على تلفزيون عمره نصف قرن ونيف، صار أثرا بعد عين!.. وورثته تلفزيونات ممسوخة مشبوهة التمويل والاهداف، تفرق العراقيين بدلا من ان تجمعهم على محبة بلدهم!!
كانت محطة تلفزيون بغداد هدفا لجميع الانقلابات التي حصلت ونجحت أو فشلت، ففي صبيحة 14 تموز اقتحمها العقيد عبدالسلام عارف ليذيع البيان الاول للحركة 14 تموز، ثم في 8 شباط 1963 تعرض التلفزيون إلى اقتحام منفذي حركة 14 رمضان، وشهدت الإذاعة إعدام عبدالكريم قاسم ورفاقه في مبنى الإذاعة والتلفزيون، وفي 18 نوفمبر 1963 كان عبدالسلام عارف يبث بيانه من محطة التلفزيون بانتهاء مرحلة الحرس القومي.
أحمد حسن البكر يعلن أنقلاب / 30 تموز.. في أقصى اليسار / صدام حسين
وفي 17 تموز 1968 تم اقتحام المحطة ليذاع البيان رقم 1 بانهاء حكم عبدالرحمن عارف، وتكررت المسالة ذاتها يوم 30 تموز 1968 ليذاع بيان احمد حسن البكر بطرد عبدالرزاق النايف وعبدالرحمن الداوود. هذا عدا عن المحاولات الفاشلة التي حصلت بين آونة واخرى بين 1958 و1968 وكانت محطة التلفزيون الهدف الاول للانقلابيين أو المتآمرين (حسب مقتضى الحال!!) لأنهم يعرفون التأثير الكبير للتلفزيون على الناس اعلاميا ونفسيا.
تلفزيون بغداد إذ يحتفل اليوم بذكرى انطلاقته، فإنه بات اليوم للأسف وريثاً هجيناً ممسوخاً عن ذلك التلفزيون البرئ، فبالرغم من ان البث صار اليوم فضائيا عبر الأقمار الصناعية لجميع العالم، وتطورت صناعة التلفزيون، والمحطة العراقية الوحيدة والاولى في الشرق الاوسط، صارت اليوم خمسين محطة تحمل اسم محطة تلفزيون عراقية !! منها الحكومي ومنها الحزبي ومنها المستقل، تبث مختلف الانواع، من رسائل طائفية وعرقية، وحزبية، وطائفية، وتلفزيونات للخناعة والميوعة، الا من رحم ربك، والناس اليوم صارت تترحم على المرحوم تلفزيون بغداد، وتلك الايام التي كان (تلفزيون واحد) يبث، بقناة واحدة، تجمع الناس على البراءة والمؤانسة، وكانت العائلة تجد متعتها فيما تشاهد مهما كانت المادة بسيطة ومكررة، اما اليوم فان 90% من العراقيين ماعادوا يتابعون قناة عراقية واحدة بل صارت تطلعاتهم واهواؤهم وراحتهم في مشاهدة تلفزيونات الغير، ونسيان الهموم العراقية التي تذكرهم بها فضائيات غريبة التمويل، تبث الفتنة والاحتراب والسفاهة. من حق الناس ان تترحم على تلفزيون عمره نصف قرن ونيف، صار أثرا بعد عين!.. وورثته تلفزيونات ممسوخة مشبوهة التمويل والاهداف، تفرق العراقيين بدلا من ان تجمعهم على محبة بلدهم!!
ويسرني أن أعرض للقارئ الكريم جدولا تنشره الصحافة العراقية كل يوم عن عرض برامج تلفزيون بغداد وهو ليوم 8/5/1957 حيث كان التلفزيون يفتتح بالساعة السادسة، ويبتدئ بتلاوة عطرة من القرآن الكريم، ثم أفلام كارتون، وفي السادسة تبدأ برامج الأطفال - بث مباشر -، وفي السابعة عرض الجزء الأول من فيلم الوردة الحمراء، حتى السابعة والنصف حيث نشرة الأخبار، تليها منوعات موسيقية، وفي الثامن برنامج الصحة في العراق من اعداد وزارة الصحة، ثم في الثامنة والنصف عرض لأخبار الأسبوع، وهو ذات الفيلم الذي كان يبث من صالات السينما البغدادية كمقدمة قبل عرض الفيلم المحدد، وفي الساعة 8،40 تبدأ حفلة غنائية مباشرة من الاستديو البنكلة للمطربة عزيمة توفيق وللمطرب محمد عبدالمحسن، حتى الساعة التاسعة حيث يتم نقل حفلة باليه من قاعة الملك فيصل الثاني وفي الساعة الحادية عشرة يعلن السلام الملكي وختام البث. أليس برنامجا خفيفا ومريحا لايثقل كاهل الناس بالسهر ويؤخر الطلاب عن النهوض المبكر لمدارسهم؟؟
__________________
منقول