البنات شربات ..
بقلم الأخت الأستاذة / إيمان القدوسي
كل مولود ولد وكل مولودة بنت ، تميل النساء إذا تجمعن لهذه الصفة ،( كيف الحال يا بنات ؟ ) وتضحك السيدات سعيدات مهما كانت أعمارهن ، ربما لأن داخل كل منا ممرا سريا تختبئ فيه البنت الصغيرة وتظل دائما رشيقة جميلة خفيفة الظل .
علي مدار السنين قابلت كثيرا من النساء ووجدت فيهن خصالا طيبة كثيرة فهي زوجة مكافحة تساند زوجها في المحن ومربية وأما رءوم لأولادها وسيدة منزل تدبر أموره بأبسط الإمكانيات وتصنع من الفسيخ شربات ، وحتي الصفات التي يشكو منها الرجال مثل الغيرة والاندفاع العاطفي وعدم الوضوح و غيرها لها مبرراتها ، أود أن أحكي عن جانب مختلف ،عن طرائف النساء أو البنات الشربات في أحوالهن المختلفة .
أنا لا أكتب ولكني أتصرف :
كاميليا فتاة تجاوزت الثلاثين تنتمي لأسرة عريقة ، أخيها الأكبر طبيب معروف في منطقتنا ، ويشغل إخوتها جميعا مناصب هامة ، هي أصغر أخوتها ، توفي والديها وصارت وحيدة لأنها لم تتزوج بعد ولم تتعلم أيضا وهذا هو الغريب في أمرها ، يبدو أن محاولات أهلها لتعليمها لم تفلح ، توسطنا في زواجها بأخ فاضل أرمل ولديه طفل
وحدث توافق في الظروف بينهما ولكن الرجل سأل : هل تجيد القراءة والكتابة ؟
جاءت ( كاميليا ) وسألتها فقالت : نعم بكل تأكيد ، تشككت في كلامها فأعطيتها ورقة وقلما وقلت لها : من فضلك اكتبي عنوان بيتكم للعريس .
أخذت مني الورقة والقلم بثقة شديدة ثم رسمت مستطيلا في الورقة وقالت : هذا ( صيدناوي ) حضرتك عارفاه ، ثم رسمت خطا وراءه وقالت هذا شارعنا وسوف يجد لافتة أخي الطبيب معلقة علي بيتنا وأعطتني الورقة وهي تبتسم .
قلت لزوجي أبلغ الأخ أنها لا تكتب ولكنها تتصرف .
تذكرني بأخت أخري مبتسمة الوجه دائما وراضية كانت تأتي لنحفظ سويا وكنت معجبة جدا بتلاوتها للقرآن الكريم ، وفي أحد الأيام أعطيتها جريدة الأهرام لتقرأ فيها خبرا يهمها فأدهشتني بقولها أنها لا تجيد القراءة إلا في المصحف فقط ، وذلك لأنها تركت الدراسة مبكرا ولحبها الشديد للقرآن كانت تقرأ وتتعتع في السورة وتسأل أخيها ليصحح لها ثم تتابع السورة في إذاعة القرآن الكريم حتي أجادت قراءة وتلاوة القرآن الكريم كاملا وحدها .
نص ساعة طلاق :
حتي أعقل النساء تنتابها لحظات نزق واندفاعات في علاقتها بزوجها ، في الحقيقة لن أستثني أحدا ممن عرفت ولنأخذ الأخت ( نعمة ) كمثال ، جاءتني تحمل طفلها وهي غاضبة باكية لخلاف مع زوجها وقالت : أردت أن أرتاح عندك قليلا قبل وصولي بيت أمي حتي لا تراني بهذا الشكل ، وكعادة الزوجات في لحظات الغضب تحدثت عن ضرورة الطلاق وأخذت تصور زوجها كما لو كان وحشا ونحن نعرف أنه ليس كذلك ، بعد أن أفرغت ما لديها قلت لها بهدوء : عندك حق ، سيبك منه ، كيف لفتاة رقيقة مثلك أن تعاشر وحشا كاسرا ، يكفيك ابنك واكملي حياتك في بيت أبيك .
فكرت قليلا ثم قالت في اندفاع : وهل سأظل هكذا معلقة .
ضحكت وقلت لها نعم أنت معلقة منذ نصف ساعة ، لاحظي أن الغضبة لم تبدأ بعد فأنت هنا في الاستراحة ولم تصلي بيت أبيك .
هدأت نفسها ونزلت لتتسوق وعادت لبيتها وعندما عاد زوجها مساءا وداعبته روائح الطعام الشهي قادمة من المطبخ ووجدها في البيت صالحها وطيب خاطرها .
تفكر الزوجة في خصام زوجها أو عتابه أو تطلب تصحيح أوضاع معينة في حياتها ولكنها لاتفكر أبدا في التخلي عنه ، وعندما تتحدث عن الانفصال أو الطلاق لنترك لها الفرصة المناسبة للتنفيس عن غضبها ، فهو مجرد تهديد كما كانت تهدد وهي صغيرة بعدم الذهاب للمدرسة .
طعام وحب وصلاة :
عنوان كتاب حقق أعلي مبيعات للكاتبة ( أليزابيث جيلبرت ) وهي تتحدث عن أهم احتياجات المرأة ، الطعام كناية عن توفير الاحتياجات المادية والحب الاحتياجات المعنوية ثم الصلاة ، المرأة أكثر ميلا للتدين من الرجل وأرهف عاطفة ، ومن البنات اللاتي لا أنساها أبدا ( سعاد ) التي كانت تعمل شغالة عند سيدة فاضلة ( الحاجة فاطمة ) منذ طفولتها وقد نشأت عاطفة أمومة بينهما وكانت الحاجة فاطمة تعطي أم سعاد نصف أجرتها وتضع النصف الباقي باسم البنت في دفتر توفير وتضيف العيديات والإكراميات التي يعطيها لها أولادها وبناتها وأحفادها ، كبرت البنت وتمت خطبتها وقد كانت شقراء جميلة وست بيت ممتازة ومتدينة لم تفتها صلاة الفجر منذ كانت في الثامنة فقد كانت ملازمة للحاجة فاطمة في كل أحوالها ، طلبت أمها تحويشة العمر لتجهزها بها فانفجرت الفتاة في بكاء مرير وهي تقول ( فلوسي للحج أو العمرة ولا أريد الزواج ) وبعد جدال ومحاولات استسلمت الفتاة بعد أن أقنعوها أن الزواج مقدم علي الحج ، وطلبت أن يعدها زوج المستقبل بأداء الفريضة عند الاستطاعة ، وسلمت أمها فلوس الحج باكية .
النساء مصابيح البيوت وزهورها الجميلة ، وهن قوارير رقيقة تحتاج المعاملة الحساسة والذكية ، كلهن بديعات إذا اكتشف الزوج الجانب المشرق ، وإذا أتيحت لها فرصة الإبداع في حياتها فإنها تجملها وتضفي عليها سحر الأنوثة وغموضها الجذاب .