حوار مع الكاتبة المتألّقة جيجيكة ابراهيمي.
أجرت الحوار رفقة القرّاء الأعزّاء - ليلى عامر -
كاتبة و أديبة جزائرية من عمق القبائل الكبرى ، جيجيكة و تعني الزّهرة بالأمازيغية ، رغم صغر سنّها استطاعت أن تسحر القلوب بعذوبة الكلمة و بساطة الأسلوب و دقّة التّحليل و التّميّز في الطّرح
لها ثقافة عالية تتجلّى من خلال قراءتنا لمقالاتها الّتي نطالعها بشغف و شوق كبيرين ....
هذه اللّؤلؤة الّتي جذبت إليها ملايين القرّاء من كل الأنحاء بداية من جريدة الفجر الجزائرية و ما خلّفته من الرّدود مرورا بالجائزة الأولى للشّهيد على معاشي – ونزيف الرّمّانة –
جيجيكة الزّهرة الأمازيغية الّتي عطّرت أرجاء الوطن العربي و كّل من يقرأ اللّغة العربية .
بصعوبة حصلنا على فرصة للتّحاور معها و هي الّتي تكره الشّهرة و الأضواء.
-الأخت جيجيكة ! حدّثينا قليلا عن جيجيكة الطّفلة ، مولدها و دور عائلتها في صقل هذه الموهبة النّادرة ، كيف بدأت زهرتنا الكتابة؟
عندما كنت طفلة كنت أحبّ اللّعب كثيرا و كنت أحبّ إطالة النّظر إلى السّماء لأراقب حركة السّحب في الشّتاء أمّا في الصّيف كنت أحبّ التّأمّل في القمر و النّجوم. كنت أفعل هذا حينها من دون أن أدرك معنى ما أقوم به.
ليست فقط عائلتي من لعبت الدّور في صقل موهبتي رغم أنّ العائلة كانت تشجّعني ككلّ إخوتي على الدّراسة لكن ثمة عوامل عديدة أيضا ساعدتني في صقل هذه الموهبة : الطّبيعة الخلاّبة لمنطقة القبائل ، منظر جبال جرجرة بلونها الأزرق كأنّه نحت من حجر اللاّزرد. الرّبيع الذي يقبل إلى المنطقة و يجود بكلّ محاسنه من طير و زهر فيبعث إلى الأنوف أريج البساتين، و الشّتاء الذي يندفّ فيه الثّلج مرغما ،طبيعة القبائل على إعلان زهدها كما حاج يؤدّي مناسك الحج فيخلع من الثوب ما حسن و يقبل على الإحرام بلباس أبيض.
-و كيف سكنتها اللّغة العربية رغم وجود اللّغة الأمّ –الأمازيغية ؟
-لم أشعر بأنّ هنالك تناقض أو تنافر بين اللّغة الأمازيغية و اللّغة العربية بل أشعر بأنّ هنالك علاقة حميمية بينهما. لم تكن الأمازيغية عائقا في تعلّمي للّغة العربية رغم كوني تعلّمت هذه الأخيرة لما كان عمري 6 سنوات أي عندما دخلت المدرسة. اللّغة العربية سكنت الكثير من الأمازيغ فسكنوها أيضا إذ يكفي أن يعرف المرء بأنّ الإمام البوصيري الصّنهاجي أمازيغي وهو صاحب قصيدة البردة الرّائعة في مدح الرّسول عليه الصّلاة و السّلام و كذلك الإمام ابن باديس من أصول أمازيغية.
سكنتني اللّغة العربية ككل الأمازيغ الّذين أحبّوها و أبدعوا فيها لأنّ اللّغة العربية وصلتنا و هي حاملة القرآن الكريم كمفتاح لها و هذا هو السّر.
-هل سبق لزهرتنا أن كتبت باللّّغة الأمازيغية ، أو الفرنسية ؟
-لا لم يسبق لي ذلك .
-أين نجد جيجيكة بين الرّواية و الكتابة الصّحفية ...؟ لأي جهة تميلين ؟
-أميل لكليهما فأحيانا أقول من خلال الكتابة الصّحفية ما لا يمكنني قوله من خلال الرّواية و أحيانا أخرى أجد بأنّ الرّواية تمنح لي الفرصة أكثر لأقول فيها ما لا أستطيع قوله في الكتابة الصّحفية.
-ما أهمّ ما يجذبك في الرّواية ؟ هل التّنوّع الثّقافي أي تشبّع الرّواية و اختلاف منابعها أم الإبداع و التّجديد فيها ؟
- التّنوع و التّجديد معا.
-قرّاؤك و منهم أنا ننتظر بشوق نزيف الرّمّانة – فمتى نقرأ هذا النّزيف ؟و هل لك أعمال أخرى تحت الطّبع ؟
-ستتكفّل وزارة الثّقافة بطبع رواية "نزيف الرمانة " لقد أصبحت تحت تصرّف الوزارة و لا أستطيع أن أحدّد تاريخ صدورها هذا من صلاحيات الوزارة. أما الشقّ الثّاني من السّؤال لدي دراسة فلسفية و هي رسالتي في الماجستير قيد النّشر و عنوانها " حفريات الإكراه لدى ميشال فوكو". أمّا في الأدب لدي بعض الأعمال الرّوائية منها : القرابين / و يرتاح سيزيف / الحاجز/ موناليزا و الطّالبان. لكن هذه الأعمال لم أقدّمها بعد للنّشر.
- من خلال قراءتي لمقالاتك لمست حنانا و دفئا و ميلا للدّفاع عن المستضعفين و المظلومين و الّذين تدوسهم رحى الحرب و رحى الجوع و التّشرّد بلا رحمة ، فرغم الضّغوطات و رغم الإغراءات مثل ما حدث معك مع السّفير السّعودي فقد واصلت مشوارك الإنساني دون أن تهتزّ لك شعرة ، لكن مؤخّرا لاحظنا تلميحا من الأخ المقرّب منك إلى إمكانية ابتعادك عن
الكتابة الصّحفية، هل معناه التّفرّغ للرّواية فقط ؟
- سأكون واضحة في كلامي و أقول أنّ السّفير السّعودي قام بالرّدّ على مقالي غزّة 48 لأنّه على حسبه تطاولت على أسلافه. السّفير لجأ إلى الرّدّ عليّ بالكلمة تماما مثلما استعملت معه الكلمة و هذا بغضّ النّظر عن محتوى ردّه. قلت الحقيقة فالذي وهب فلسطين لليهود و اعتبرهم مساكين و أفجعنا في مقدّساتنا و كان المسؤول المباشر عما يحدث في فلسطين اليوم من تشريد و تقتيل و اضطهاد و غير ذلك إنّه خائن . من وهب فلسطين لليهود لا يمكن أن أضعه في نفس مرتبة السّلطان عبد الحميد الثاني فالأول عربي باع شرف العرب و دمهم و أرضهم و الثّاني أعجمي رفض البيع و هنا المفارقة الكبرى.
و أكون واضحة مع الجميع لو أنّ الّذي باع فلسطين قد قام بهدم أو بيع بيت أهلي و الله ما قلت عليه ما قلت ، لكنّه باع ظلال أجنحة جبريل عليه السلام و أثر حوافر البراق و جعل قبّة القدس و الأقصى مجمرة لبخور الصّهاينة التي تنطلق في طقوسهم الخبيثة التي تحتفل من حين لآخر بالفطائر المقدّسة المعجنة بدم الطّفل الفلسطيني ؛ أنا قلت ما قلت و مازلت عند رأيي و من ارتكب فضيحة بيع فلسطين لن تغسل عاره كل محيطات الدّنيا. و أنا لن أتراجع عن موقفي مهما كانت الإغراءات و مهما كانت الضّغوطات و سأواصل مشواري في كتابة ما تمليه علي قرائح نفسي فأنا لست سكريتيرة في مكتب أيّ شخص كي يملي عليّ ما أكتب كما يريد بعض مديري الجرائد المساكين.
أمّا عن تلميح المقرّب منّي فيما يتعلّق بإمكانية تركي للكتابة الصّحفية فهذا أمر ندرسه معا و أنا أثق في توجيهاته لي. و إذا اضطرّتني الظّروف لترك الكتابة الصّحفية فإنّي سأتنازل عن العروض التي عرضت علي من بعض المنابر الإعلامية و قد أفعل هذا ليس للتّفرّغ للرّواية. كلّ ما في الأمر أنّني أريد التّفرغ لأطروحة الدّكتوراه و التّرجمة تتطلّب منّي التّركيز أكثر و وقت أطول و المهلة التي حدّدت لنا لإيداع الأطروحة أصبحت وشيكة.
- ما لاحظته و لاحظه كلّ قرّائك أنّ بعض الإخوة يدعونك بقوّة للإقامة في قطر و أكيد هناك عروض وصلتك ، فما تختار زهرتنا ؟ و لم لا تفكّر في مستقبلها ككلّ الكتّاب خاصّة و هي مميّزة و نابغة عصرها و قلمها ساحر كما اتّفق عليه القرّاء ؟
-في الوقت الرّاهن لدي العديد من الإلتزامات في بلدي و أمّا قطر فهي قريبة إلى قلبي كثيرا و لما لا الهجرة إليها إن اقتضى الأمر مستقبلا.
قارئ من فلسطين / بما أنّك تمتلكين فنّيات عالية جدّا في التّصوير البلاغي و الجرأة في الطّرح هل تفكّرين في كتابة رواية عن فلسطين ؟
- نعم ، لدي رواية حاولت أن أرصد فيها معاناة الفلسطيني. هي رواية "الحاجز" . أعتقد بأنّنا بحاجة إلى أن ننظر إلى الفلسطيني بأنّه كما أيّ إنسان يحلم و يتمنّى و يحبّ و يتألّم و يفرح يجب ألاّ ننساق وراء هذا التّصوير الّذي طغى خاصّة بسبب الإعلام الذي جعلنا نعدّهم مجرد أرقام . استشهاد 4 و 10 و 1 أعتقد أنّنا نتّجه بشكل غير مباشر لجعلهم مجرد أعداد تمرّ علينا في نشرات الأخبار و الدّليل أنّه لما يستشهد شاب واحد لا يتحرّك الشّارع العربي لكن لما ترتكب مجزرة بالمئات حينها ربّما يتحرّك الشّارع لماذا ؟ لأنّ في الجريمة الأولى العدد 1 و في الجريمة الثّانية مئات و هذا المبدأ غلط من أساسه.
-من بين كلّ التّعليقات الّتي قرأناها تأثّرت شخصيا بالكاتبة الباكستانية من بريطانيا و كيف أنّها تجتهد في الكتابة و القراءة لكتّاب عرب و قد أحبّتك كثيرا فترجمت – باكستان ليست هايتي – للّغة الإنجليزية و أرسلته لكلّ أصدقائها في كلّ مكان ، و تمنّت أن تراك ذات يوم في منابر قناة الجزيرة ، ماذا تقولين لها ؟
- قناة الجزيرة القطرية قناة خدمت قضايا إنسانية و قضايانا العربية لقد لعبت عدّة أدوار إيجابية خلال احتلال العراق و أفغانستان وذلك من خلال فضح جرائم المحتلّ و كذلك لعبت عدّة أدوار لإيصال معاناة الشّعب الفلسطيني إلى العالم. و ليست كبعض قنوات الصّرف الصّحي - أكرمكم الله- التي تتحدّث باللّغة العربية و تحمل مشاريع عبرية..أمّا الأخت الباكستانية فإنّي أحيّيها من هذا المنبر و أحبّها في الله .
-ماذا تقول جيجيكة للمرأة المسلمة في زمن التّعرّي و الإنفلات الأخلاقي ؟
- أوّلا لا أستطيع أن أقول لها أكثر ممّا قال لها القرآن الكريم و السّنة النّبوية الشّريفة . و رغم هذا أريد أن أشير بأنّه ليست المرأة وحدها من تتحمّل تبعات الإنفلات الأخلاقي فالرّجل أيضا لابدّ أن يتحمّل المسؤولية لنتأمّل فقط في الطّفلة سارة التي قصدت البقاع المقدّسة لتأدية مناسك الحج و تغتصب، هل قصدت الطّفلة المكان بلباس شفّاف أو ما شابه ؟. هنالك من الرّجال الشّواذ من تتقن مخيّلته تعرية المرأة حتّى لو لم تظهر و لو خليّة من جلدها. المسألة أوّلا و قبل كلّ شيء هي مسالة التّربية للجنسين. على كلّ أنا أقولها صراحة بأنّ المرأة النذموذج الذتي يسعى البعض حتىّ وسائل الإعلام الّتي تدّعي التّحفّظ لكنّها تسعى لفرض المرأة العارية كالمرأة المثالية في المجتمع. للأسف الشّديد هنالك من النّساء اللّواتي تحوّلن إلى مجرد أقراص فياغرا. و حتّى بعض الكاتبات تفطنّ إلى الأمر لجذب القرّاء، تتعمّد تعرية المرأة على الصّفحة الأولى و تضع قطع من جسمها كطعم لجذب القارئ . لكن هذا يدلّ على فشلهنّ في الكتابة الجادّة لقد كانت "مي الزيادة" محترمة جدّا في كتاباتها و تمكّنت من أسر قلب جبران خليل جبران و صادق الرافعي و العقّاد و غيرهم و لازالت كتاباتها ذات تركيبة سحرية خارقة.
-ما يؤرّق جيجيكة يحزنها و يربك فرحها ؟ أهم أطفال غزّة أم هي هموم إنسانية متفرّقة ؟كمحنة باكستان مثلا ....
- يؤرّقني أنين أطفال فلسطين الذين يتألّمون لأنّهم يحملون في قمصانهم رائحة يوسف عليه السلام و يدفعون ثمن ذلك من طرف ذئاب تربّت في زريبة شارون و أمثاله، شبابها الذي يباد بالغاز في الأنفاق كأنّهم بقايا النّازية. شيوخها الّذين يتمنّون أن يطيل الله أعمارهم ليشهدوا لحظة عودة السّيد المسيح عليه السلام ليطرد اللّصوص من القدس كما فعل ذلك قبل قرون عديدة، نساؤها اللّواتي يعانين المخاض في السّجون و يضعن أطفالهن و قد حكم عليهم العدوّ بالسجن قبل أن يقطع الحبل السّري بينهم و بين أمّهاتهم . يؤرّقني أطفال العراق الذين يحلمون بعودة زنابق الماء لتنمو على ضفاف نهر دجلة و الفرات ، رجاله الذين يغتصبون في السّجون و يتفرّج العالم على سوآتهم ...و ما ينطبق على العراق و فلسطين ينطبق على أفغانستان أيضا. أمّا كارثة افغانستان فتلك جرح على جراح موسم البرد قادم و ملايين من المشرّدين .أما محنة باكستان فقد عبّرت ما بداخلي في مقال " باكستان ليست هايتي" رغم أنّه يستحقّ أكثر من مقال . و يؤرّقني حزن أطفال العالم مهما كان انتمائهم الدّيني أو العرقي.
- نعود لنزيف الرّمّانة ،اسماعيل الطّفل الّذي أبكى القرّاء بما حمله من همّ و حزن كبيرين من طفولته و فوق طاقته ، هل هو مشهد من مشاهد العشرية
الحمراء في الجزائر ؟
- التّشرد ، الجوع ، النّوم تحت الجسور ، الحزن على فقدان الصّاحب ، الطّفولة التي تحمل أكثر مما تطيق كلّها مشاهد ليست خاصّة بالعشرية الحمراء التي عاشتها الجزائر بل بالعشرية الحمراء التي تعيشها الإنسانية من حين لآخر.
-هل أدرجت زهرتنا بعضا من التّراث الأمازيغي في روايتها ؟
- لم أدرج شيئا من التّراث الأمازيغي في نزيف الرّمانة لكن أدرجته في القرابين الّتي هي أوّل باكورة أدبية بالنّسبة لي. حتى إنّي أدرجت بعض الطّقوس و الأشعار التي ترافقها باللّغة الأمازيغية لكن قمت بكتابتها باللّغة العربية و ترجمتها أيضا إلى اللّغة العربية كي يتمكّن القارئ من فهمها. رواية القرابين حاولت أن أقدّم فيها شيء من التّراث الأمازيغي باعتباره تراث يتصالح مع التّراث الإسلامي و ليس العكس كما يدّعي البعض.
-و دائما مع نزيف الرّمّانة يسألك قارئ عن فوزك بالجائزة الأولى في الرّواية هل يعني مدى مصداقية هذه المسابقة ؟؟؟؟
- لا ، مطلقا . إنّ مصداقية جائزة علي معاشي لا يمكن أن تنقص بعدم فوزي و لن تزيد بفوزي. مصداقية هذه الجائزة قائمة على نزاهة لجنة القراءة التي تشكّلت منها و قد عرفت مؤخّرا بأنّ السّيدة الرّوائية الأستاذة جميلة زنير هي اّلتي ترأّست اللّجنة و كذلك كان من بين أعضاء اللّجنة الأستاذ الشّاعر إدريس بوديبة. إذن المسابقة شكّلت من أجلها أسماء محترمة نظيفة السّمعة و كذلك ذات صلة بالإبداع عكس ما يروّج له من بعض الأطراف و لذا أقول حتّى لو لم أفز بالجائزة لما طعنت في مصداقيتها أبدا و لا أخفي عليكم بأنّي لم أكن أتوقّع الفوز على الإطلاق لأنّي آمنت بأن ثمة من الأقلام الشّابة المبدعة ما يحدث المفاجأة و لكن الحمد لله .
-سؤال آخر من قارئ لك يقول / عندما كنت طفلة ماهو الشّيء الّذي تعلّقت به كثيرا ثم صدمك فيما بعد لصعوبة نيله أو استحالة ذلك أو لأنّ ما يعجبك جعلك لا ترين أضراره ؟؟؟؟
- لما كنت صغيرة كنت أطارد الفراشات باستمرار. أحبّ تعقّب الفراشات دوما ، كانت ألوانها تأسرني و تخطف عقلي بشكل عجيب لكن حدث في يوم من الأيّام أنّي أمسكت بواحدة لونها برتقالي عليها خطوط سوداء فرحت كثيرا و كان ذلك بالنّسبة إلي يوم للإنتصار ، قبضت عليها بأصابعي و حملتها كي أريها لزملائي و كانت نيّتي أن اتحدّاهم و أثير غيرتهم لكن لما وصلت إليهم نظروا إلى الفراشة وهم يتهامسون لقد مسكتها ...لكن أنا انقلبت فرحتي حزنا و انتصاري هزيمة لأنّي لاحظت بأنّ ألوان الفراشة التصقت بأصابعي و أصبحت أجنحتها تظهر شفّافة شيئا فشيئا . لقد تشوّهت الفراشة الجميلة و انقلبت فرحتي حزنا و لكن سرعان ما بدأت أضحك لما أطلقتها و بدأت تطير و هي مشوّهة الأجنحة لا هي شفافة و لا هي برتقالية.
-إحداهنّ قالت أنّك انتهيت كقلم ، فبما تردّين عليها ؟
- من لم يستطع أن يقرّر البداية لقلمه لا يستطيع أن يقرّر النّهاية لقلم غيره .
و القلم الذي يكتب من أجل الحقّ و من أجل نصرة الضّعفاء و المظلومين و يواسي أهلنا في فلسطين و في العراق و أفغانستان و في سائر الدّول الإسلامية المستضعفة لا ينتهي و لا يموت بإذن الله حتّى و إن جفّ سأكتب بيدي و الحبر دمي. و أظنّ الّذي ينتهي و يزول هو الذي يكتب لعيون أمريكا و إسرائيل لأن النّصر دائما للحقّ على الباطل و هذه هي سنة الله في الكون.
- و قارئ آخر يقول / نعرف معرفة يقينية أنّ ثمة من حاول إغراءك بمنح هبات مقابل التّخلّي عن موقفك المعروف اتّجاه المقاومة في الوطن العربي و موقفك الواضح إزاء الصّهاينة و عملائهم و رفضت ، ألا تحبّين الأحجار الكريمة و الثّروة الطّائلة ؟
- زمن الجواري قد ولىّ و كي أكون واضحة مع الجميع أنا أقول لكم بأنّ الأحجار التي يرميها شباب فلسطين ضد قبّعات الصّهاينة و دبّاباتهم هي الأحجار الكريمة بالنسبة إليّ و ليس الألماس أو الزمرّد أو العقيق الذي يمنح لي مقابل بيع أفكاري و مبادئي .
-أخت مصرية تسألك / ما موقفك من رجم الفريق الجزائري في القاهرة ، و رجم الفريق المصري في منطقة القبائل ؟
- العلاقة بين البلدين أكبر أن تحصر بين قدمي عنتر يحي و محمد زيدان.
ولكن للأسف هذا هو حال أمّة العبث .الأمور الكبيرة صغّرناها و الصّغيرة كبّرناها. و لو أن الذي قام برجم حافلة المنتخب الجزائري علم بأنّ الجزائريين كانوا يقومون باختطاف الفرنسيين و معاقبتهم للعمل في مقالع الحجارة إثر اجتياح نابليون المشرق العربي لما سوّلت له نفسه ليفعل ما فعل. أمّا الذي رجم قافلة المنتخب المصري في منطقة القبائل لو تربّى على حقيقة تاريخية جميلة متمثّلة في كون منطقة القبائل كانت تنزل مصر عندها منزلة عظيمة لما فعل ذلك . لو تأمّل قليلا لوجد بأنّ الملعب الذي نزل فيه الفريق المصري على بعده بمسافة قصيرة يوجد مسجد مدينة تيزي وزو مسجد الشّيخ أرزقي الشّرفاوي الأزهري.
أتمنى أن تتوقّف هذه المهزلة و أنصح أيّ مصري يريد أن يرجمنا مستقبلا أن يوجّه حجارة إلى المجرمة ليفني أو اولمرت. و انصح أي جزائري تسوّل له نفسه مستقبلا رجم المصريين في أن يوجّه حجارته إلى كلّ فرنسي يمجّد الإستعمار يوجّهها و لو بشكل رمزي.
- بما أنّك تتابعين الأحداث السّياسية باهتمام على ما يبدو كيف تقيّمين الدّور الّذي تلعبه قطر في السّياسة الخارجية ؟
- دولة قطر تلعب عدّة أدوار إيجابية فيما يتعلّق بالسّياسة الخارجية فقد ساهمت في جمع الفرقاء اللّبنانيين و كذلك تبذل الجهود لاحتواء الأزمة في دارفور و كذلك مساعيها للصّلح بين الحوثيين و النّظام اليمني و إلى جانب هذا مبادرة قطر لإعمار جنوب لبنان و هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ سياسة قطر الخارجية نجحت فيما فشلت في تحقيقه الجامعة العربية.
- لدي سؤال للكاتبة جيجيكة ،ما رأيك في الرّوائي نجيب محفوظ هل سبق لك و أن قرأت له أقوالا ملفتة للانتباه ؟
- رأيي في الأديب نجيب محفوظ لا يمكن أن يكون أكثر من الرّأي الذي قالته فيه جائزة نوبل للآداب. أمّا أقواله الّتي لفتت انتباهي فهي كثيرة جدّا أختار منها تعليقه على إجابة أحد أصدقائه لما سأله نجيب محفوظ عن أحوال النّاس في الشّارع المصري فأجابه صديقه بأن البنات أصبحن يرتدين الخمار لتغطية الرّأس و يتعمّدن تعرية السّرّة، فعلّق نجيب محفوظ قائلا : الخمار عشان يرضى الإخوان و السّرّة على شان ترضى الحكومة .
- و أخيرا ما هي أمنيات أ جيجيكة ؟
- أتمنّى أن تترسّخ قيم السّلم و المصالحة في الجزائر و أن يسود الود ّبين كل الشّعب الجزائري مهما كان أصله و فصله لأنّه في النّهاية نحن من أصول جزائرية و فقط . بدون أن أنسى سائر بلاد المسلمين .
- كلمة منّي إليك /
لتعلم زهرة القبائل أنّنا ندعمها و نشجّعها على الكتابة و مهما كانت خياراتها نحن معها نقرأ لها سواء كاتبة صحفيّة أم روائية ......
- شكرا جزيلا سيّدتي أدركت هذا من أوّل وهلة كنت تتلقّفين فيها مقالاتي و نشرتيها في المنتديات. أعتزّ بهذا كثيرا و بشهادتي أكثر أنّ كلّ شيء يوحي بأنّك من زبدة المجتمع. و اعلمي سيّدتي بأنّي أقدّر تعبك و قد كنت سندي بنوافذك الّتي فتحتيها لي كي أطلّ على القرّاء ببعض مقالاتي....
- نفعل هذا و لنا كلّ الشّرف، و ماذا يساوي هذا مقابل مجابهتك لكلّ ما تتعرّضين له من وجع و آلام كبيرة تحملينها بصمت دامع على أحوال هذه الأمّة ....قلوبنا معك و دعواتنا أن يوفّقك الله و ينصر قلمك الّذي نذرته للإسلام؟
ثمّ أنّنا حصلنا منك على هذا الحوار الشّيق و أنت الخجولة البعيدة عن الأضواء هذه قمّة السّعادة .
و أخيرا وكم هو صعب أن نضع نقطة النّهاية لهذا الحوار نريد كلمة منك إلى قرّائك الّذين أحبّوك رغم نزيف الفاكهة المقدّسة و رغم البرد و رحيل ذاك الشّيخ المسكين و رغم الطّفولة الّتي أطلت معاناتها و عذّبتنا معها .....
- أولا تعمّدت إطالة معاناة إسماعيل و ستطول معاناته على مدار الرّواية و قد تعمّدت هذا لأنّ في العمل الفنّي نحتاج أحيانا إلى ما أطلق عليه أرسطو مصطلح " كاثارسيس" أي التّطهير و التّطهير لدى أرسطو يعني تطهير النّفس البشرية عن طريق إيقاظ المشاعر الإنسانية فيها مثل الحزن و الشّفقة و لذا أقول لقرّائي الّذين تأثّروا و بكوا لحال الطّفل لقد حصل معكم ذلك بسبب إنسانيتكم و مشاعركم النّبيلة .
أجرت الحوار رفقة القرّاء الأعزّاء - ليلى عامر -
كاتبة و أديبة جزائرية من عمق القبائل الكبرى ، جيجيكة و تعني الزّهرة بالأمازيغية ، رغم صغر سنّها استطاعت أن تسحر القلوب بعذوبة الكلمة و بساطة الأسلوب و دقّة التّحليل و التّميّز في الطّرح
لها ثقافة عالية تتجلّى من خلال قراءتنا لمقالاتها الّتي نطالعها بشغف و شوق كبيرين ....
هذه اللّؤلؤة الّتي جذبت إليها ملايين القرّاء من كل الأنحاء بداية من جريدة الفجر الجزائرية و ما خلّفته من الرّدود مرورا بالجائزة الأولى للشّهيد على معاشي – ونزيف الرّمّانة –
جيجيكة الزّهرة الأمازيغية الّتي عطّرت أرجاء الوطن العربي و كّل من يقرأ اللّغة العربية .
بصعوبة حصلنا على فرصة للتّحاور معها و هي الّتي تكره الشّهرة و الأضواء.
-الأخت جيجيكة ! حدّثينا قليلا عن جيجيكة الطّفلة ، مولدها و دور عائلتها في صقل هذه الموهبة النّادرة ، كيف بدأت زهرتنا الكتابة؟
عندما كنت طفلة كنت أحبّ اللّعب كثيرا و كنت أحبّ إطالة النّظر إلى السّماء لأراقب حركة السّحب في الشّتاء أمّا في الصّيف كنت أحبّ التّأمّل في القمر و النّجوم. كنت أفعل هذا حينها من دون أن أدرك معنى ما أقوم به.
ليست فقط عائلتي من لعبت الدّور في صقل موهبتي رغم أنّ العائلة كانت تشجّعني ككلّ إخوتي على الدّراسة لكن ثمة عوامل عديدة أيضا ساعدتني في صقل هذه الموهبة : الطّبيعة الخلاّبة لمنطقة القبائل ، منظر جبال جرجرة بلونها الأزرق كأنّه نحت من حجر اللاّزرد. الرّبيع الذي يقبل إلى المنطقة و يجود بكلّ محاسنه من طير و زهر فيبعث إلى الأنوف أريج البساتين، و الشّتاء الذي يندفّ فيه الثّلج مرغما ،طبيعة القبائل على إعلان زهدها كما حاج يؤدّي مناسك الحج فيخلع من الثوب ما حسن و يقبل على الإحرام بلباس أبيض.
-و كيف سكنتها اللّغة العربية رغم وجود اللّغة الأمّ –الأمازيغية ؟
-لم أشعر بأنّ هنالك تناقض أو تنافر بين اللّغة الأمازيغية و اللّغة العربية بل أشعر بأنّ هنالك علاقة حميمية بينهما. لم تكن الأمازيغية عائقا في تعلّمي للّغة العربية رغم كوني تعلّمت هذه الأخيرة لما كان عمري 6 سنوات أي عندما دخلت المدرسة. اللّغة العربية سكنت الكثير من الأمازيغ فسكنوها أيضا إذ يكفي أن يعرف المرء بأنّ الإمام البوصيري الصّنهاجي أمازيغي وهو صاحب قصيدة البردة الرّائعة في مدح الرّسول عليه الصّلاة و السّلام و كذلك الإمام ابن باديس من أصول أمازيغية.
سكنتني اللّغة العربية ككل الأمازيغ الّذين أحبّوها و أبدعوا فيها لأنّ اللّغة العربية وصلتنا و هي حاملة القرآن الكريم كمفتاح لها و هذا هو السّر.
-هل سبق لزهرتنا أن كتبت باللّّغة الأمازيغية ، أو الفرنسية ؟
-لا لم يسبق لي ذلك .
-أين نجد جيجيكة بين الرّواية و الكتابة الصّحفية ...؟ لأي جهة تميلين ؟
-أميل لكليهما فأحيانا أقول من خلال الكتابة الصّحفية ما لا يمكنني قوله من خلال الرّواية و أحيانا أخرى أجد بأنّ الرّواية تمنح لي الفرصة أكثر لأقول فيها ما لا أستطيع قوله في الكتابة الصّحفية.
-ما أهمّ ما يجذبك في الرّواية ؟ هل التّنوّع الثّقافي أي تشبّع الرّواية و اختلاف منابعها أم الإبداع و التّجديد فيها ؟
- التّنوع و التّجديد معا.
-قرّاؤك و منهم أنا ننتظر بشوق نزيف الرّمّانة – فمتى نقرأ هذا النّزيف ؟و هل لك أعمال أخرى تحت الطّبع ؟
-ستتكفّل وزارة الثّقافة بطبع رواية "نزيف الرمانة " لقد أصبحت تحت تصرّف الوزارة و لا أستطيع أن أحدّد تاريخ صدورها هذا من صلاحيات الوزارة. أما الشقّ الثّاني من السّؤال لدي دراسة فلسفية و هي رسالتي في الماجستير قيد النّشر و عنوانها " حفريات الإكراه لدى ميشال فوكو". أمّا في الأدب لدي بعض الأعمال الرّوائية منها : القرابين / و يرتاح سيزيف / الحاجز/ موناليزا و الطّالبان. لكن هذه الأعمال لم أقدّمها بعد للنّشر.
- من خلال قراءتي لمقالاتك لمست حنانا و دفئا و ميلا للدّفاع عن المستضعفين و المظلومين و الّذين تدوسهم رحى الحرب و رحى الجوع و التّشرّد بلا رحمة ، فرغم الضّغوطات و رغم الإغراءات مثل ما حدث معك مع السّفير السّعودي فقد واصلت مشوارك الإنساني دون أن تهتزّ لك شعرة ، لكن مؤخّرا لاحظنا تلميحا من الأخ المقرّب منك إلى إمكانية ابتعادك عن
الكتابة الصّحفية، هل معناه التّفرّغ للرّواية فقط ؟
- سأكون واضحة في كلامي و أقول أنّ السّفير السّعودي قام بالرّدّ على مقالي غزّة 48 لأنّه على حسبه تطاولت على أسلافه. السّفير لجأ إلى الرّدّ عليّ بالكلمة تماما مثلما استعملت معه الكلمة و هذا بغضّ النّظر عن محتوى ردّه. قلت الحقيقة فالذي وهب فلسطين لليهود و اعتبرهم مساكين و أفجعنا في مقدّساتنا و كان المسؤول المباشر عما يحدث في فلسطين اليوم من تشريد و تقتيل و اضطهاد و غير ذلك إنّه خائن . من وهب فلسطين لليهود لا يمكن أن أضعه في نفس مرتبة السّلطان عبد الحميد الثاني فالأول عربي باع شرف العرب و دمهم و أرضهم و الثّاني أعجمي رفض البيع و هنا المفارقة الكبرى.
و أكون واضحة مع الجميع لو أنّ الّذي باع فلسطين قد قام بهدم أو بيع بيت أهلي و الله ما قلت عليه ما قلت ، لكنّه باع ظلال أجنحة جبريل عليه السلام و أثر حوافر البراق و جعل قبّة القدس و الأقصى مجمرة لبخور الصّهاينة التي تنطلق في طقوسهم الخبيثة التي تحتفل من حين لآخر بالفطائر المقدّسة المعجنة بدم الطّفل الفلسطيني ؛ أنا قلت ما قلت و مازلت عند رأيي و من ارتكب فضيحة بيع فلسطين لن تغسل عاره كل محيطات الدّنيا. و أنا لن أتراجع عن موقفي مهما كانت الإغراءات و مهما كانت الضّغوطات و سأواصل مشواري في كتابة ما تمليه علي قرائح نفسي فأنا لست سكريتيرة في مكتب أيّ شخص كي يملي عليّ ما أكتب كما يريد بعض مديري الجرائد المساكين.
أمّا عن تلميح المقرّب منّي فيما يتعلّق بإمكانية تركي للكتابة الصّحفية فهذا أمر ندرسه معا و أنا أثق في توجيهاته لي. و إذا اضطرّتني الظّروف لترك الكتابة الصّحفية فإنّي سأتنازل عن العروض التي عرضت علي من بعض المنابر الإعلامية و قد أفعل هذا ليس للتّفرّغ للرّواية. كلّ ما في الأمر أنّني أريد التّفرغ لأطروحة الدّكتوراه و التّرجمة تتطلّب منّي التّركيز أكثر و وقت أطول و المهلة التي حدّدت لنا لإيداع الأطروحة أصبحت وشيكة.
- ما لاحظته و لاحظه كلّ قرّائك أنّ بعض الإخوة يدعونك بقوّة للإقامة في قطر و أكيد هناك عروض وصلتك ، فما تختار زهرتنا ؟ و لم لا تفكّر في مستقبلها ككلّ الكتّاب خاصّة و هي مميّزة و نابغة عصرها و قلمها ساحر كما اتّفق عليه القرّاء ؟
-في الوقت الرّاهن لدي العديد من الإلتزامات في بلدي و أمّا قطر فهي قريبة إلى قلبي كثيرا و لما لا الهجرة إليها إن اقتضى الأمر مستقبلا.
قارئ من فلسطين / بما أنّك تمتلكين فنّيات عالية جدّا في التّصوير البلاغي و الجرأة في الطّرح هل تفكّرين في كتابة رواية عن فلسطين ؟
- نعم ، لدي رواية حاولت أن أرصد فيها معاناة الفلسطيني. هي رواية "الحاجز" . أعتقد بأنّنا بحاجة إلى أن ننظر إلى الفلسطيني بأنّه كما أيّ إنسان يحلم و يتمنّى و يحبّ و يتألّم و يفرح يجب ألاّ ننساق وراء هذا التّصوير الّذي طغى خاصّة بسبب الإعلام الذي جعلنا نعدّهم مجرد أرقام . استشهاد 4 و 10 و 1 أعتقد أنّنا نتّجه بشكل غير مباشر لجعلهم مجرد أعداد تمرّ علينا في نشرات الأخبار و الدّليل أنّه لما يستشهد شاب واحد لا يتحرّك الشّارع العربي لكن لما ترتكب مجزرة بالمئات حينها ربّما يتحرّك الشّارع لماذا ؟ لأنّ في الجريمة الأولى العدد 1 و في الجريمة الثّانية مئات و هذا المبدأ غلط من أساسه.
-من بين كلّ التّعليقات الّتي قرأناها تأثّرت شخصيا بالكاتبة الباكستانية من بريطانيا و كيف أنّها تجتهد في الكتابة و القراءة لكتّاب عرب و قد أحبّتك كثيرا فترجمت – باكستان ليست هايتي – للّغة الإنجليزية و أرسلته لكلّ أصدقائها في كلّ مكان ، و تمنّت أن تراك ذات يوم في منابر قناة الجزيرة ، ماذا تقولين لها ؟
- قناة الجزيرة القطرية قناة خدمت قضايا إنسانية و قضايانا العربية لقد لعبت عدّة أدوار إيجابية خلال احتلال العراق و أفغانستان وذلك من خلال فضح جرائم المحتلّ و كذلك لعبت عدّة أدوار لإيصال معاناة الشّعب الفلسطيني إلى العالم. و ليست كبعض قنوات الصّرف الصّحي - أكرمكم الله- التي تتحدّث باللّغة العربية و تحمل مشاريع عبرية..أمّا الأخت الباكستانية فإنّي أحيّيها من هذا المنبر و أحبّها في الله .
-ماذا تقول جيجيكة للمرأة المسلمة في زمن التّعرّي و الإنفلات الأخلاقي ؟
- أوّلا لا أستطيع أن أقول لها أكثر ممّا قال لها القرآن الكريم و السّنة النّبوية الشّريفة . و رغم هذا أريد أن أشير بأنّه ليست المرأة وحدها من تتحمّل تبعات الإنفلات الأخلاقي فالرّجل أيضا لابدّ أن يتحمّل المسؤولية لنتأمّل فقط في الطّفلة سارة التي قصدت البقاع المقدّسة لتأدية مناسك الحج و تغتصب، هل قصدت الطّفلة المكان بلباس شفّاف أو ما شابه ؟. هنالك من الرّجال الشّواذ من تتقن مخيّلته تعرية المرأة حتّى لو لم تظهر و لو خليّة من جلدها. المسألة أوّلا و قبل كلّ شيء هي مسالة التّربية للجنسين. على كلّ أنا أقولها صراحة بأنّ المرأة النذموذج الذتي يسعى البعض حتىّ وسائل الإعلام الّتي تدّعي التّحفّظ لكنّها تسعى لفرض المرأة العارية كالمرأة المثالية في المجتمع. للأسف الشّديد هنالك من النّساء اللّواتي تحوّلن إلى مجرد أقراص فياغرا. و حتّى بعض الكاتبات تفطنّ إلى الأمر لجذب القرّاء، تتعمّد تعرية المرأة على الصّفحة الأولى و تضع قطع من جسمها كطعم لجذب القارئ . لكن هذا يدلّ على فشلهنّ في الكتابة الجادّة لقد كانت "مي الزيادة" محترمة جدّا في كتاباتها و تمكّنت من أسر قلب جبران خليل جبران و صادق الرافعي و العقّاد و غيرهم و لازالت كتاباتها ذات تركيبة سحرية خارقة.
-ما يؤرّق جيجيكة يحزنها و يربك فرحها ؟ أهم أطفال غزّة أم هي هموم إنسانية متفرّقة ؟كمحنة باكستان مثلا ....
- يؤرّقني أنين أطفال فلسطين الذين يتألّمون لأنّهم يحملون في قمصانهم رائحة يوسف عليه السلام و يدفعون ثمن ذلك من طرف ذئاب تربّت في زريبة شارون و أمثاله، شبابها الذي يباد بالغاز في الأنفاق كأنّهم بقايا النّازية. شيوخها الّذين يتمنّون أن يطيل الله أعمارهم ليشهدوا لحظة عودة السّيد المسيح عليه السلام ليطرد اللّصوص من القدس كما فعل ذلك قبل قرون عديدة، نساؤها اللّواتي يعانين المخاض في السّجون و يضعن أطفالهن و قد حكم عليهم العدوّ بالسجن قبل أن يقطع الحبل السّري بينهم و بين أمّهاتهم . يؤرّقني أطفال العراق الذين يحلمون بعودة زنابق الماء لتنمو على ضفاف نهر دجلة و الفرات ، رجاله الذين يغتصبون في السّجون و يتفرّج العالم على سوآتهم ...و ما ينطبق على العراق و فلسطين ينطبق على أفغانستان أيضا. أمّا كارثة افغانستان فتلك جرح على جراح موسم البرد قادم و ملايين من المشرّدين .أما محنة باكستان فقد عبّرت ما بداخلي في مقال " باكستان ليست هايتي" رغم أنّه يستحقّ أكثر من مقال . و يؤرّقني حزن أطفال العالم مهما كان انتمائهم الدّيني أو العرقي.
- نعود لنزيف الرّمّانة ،اسماعيل الطّفل الّذي أبكى القرّاء بما حمله من همّ و حزن كبيرين من طفولته و فوق طاقته ، هل هو مشهد من مشاهد العشرية
الحمراء في الجزائر ؟
- التّشرد ، الجوع ، النّوم تحت الجسور ، الحزن على فقدان الصّاحب ، الطّفولة التي تحمل أكثر مما تطيق كلّها مشاهد ليست خاصّة بالعشرية الحمراء التي عاشتها الجزائر بل بالعشرية الحمراء التي تعيشها الإنسانية من حين لآخر.
-هل أدرجت زهرتنا بعضا من التّراث الأمازيغي في روايتها ؟
- لم أدرج شيئا من التّراث الأمازيغي في نزيف الرّمانة لكن أدرجته في القرابين الّتي هي أوّل باكورة أدبية بالنّسبة لي. حتى إنّي أدرجت بعض الطّقوس و الأشعار التي ترافقها باللّغة الأمازيغية لكن قمت بكتابتها باللّغة العربية و ترجمتها أيضا إلى اللّغة العربية كي يتمكّن القارئ من فهمها. رواية القرابين حاولت أن أقدّم فيها شيء من التّراث الأمازيغي باعتباره تراث يتصالح مع التّراث الإسلامي و ليس العكس كما يدّعي البعض.
-و دائما مع نزيف الرّمّانة يسألك قارئ عن فوزك بالجائزة الأولى في الرّواية هل يعني مدى مصداقية هذه المسابقة ؟؟؟؟
- لا ، مطلقا . إنّ مصداقية جائزة علي معاشي لا يمكن أن تنقص بعدم فوزي و لن تزيد بفوزي. مصداقية هذه الجائزة قائمة على نزاهة لجنة القراءة التي تشكّلت منها و قد عرفت مؤخّرا بأنّ السّيدة الرّوائية الأستاذة جميلة زنير هي اّلتي ترأّست اللّجنة و كذلك كان من بين أعضاء اللّجنة الأستاذ الشّاعر إدريس بوديبة. إذن المسابقة شكّلت من أجلها أسماء محترمة نظيفة السّمعة و كذلك ذات صلة بالإبداع عكس ما يروّج له من بعض الأطراف و لذا أقول حتّى لو لم أفز بالجائزة لما طعنت في مصداقيتها أبدا و لا أخفي عليكم بأنّي لم أكن أتوقّع الفوز على الإطلاق لأنّي آمنت بأن ثمة من الأقلام الشّابة المبدعة ما يحدث المفاجأة و لكن الحمد لله .
-سؤال آخر من قارئ لك يقول / عندما كنت طفلة ماهو الشّيء الّذي تعلّقت به كثيرا ثم صدمك فيما بعد لصعوبة نيله أو استحالة ذلك أو لأنّ ما يعجبك جعلك لا ترين أضراره ؟؟؟؟
- لما كنت صغيرة كنت أطارد الفراشات باستمرار. أحبّ تعقّب الفراشات دوما ، كانت ألوانها تأسرني و تخطف عقلي بشكل عجيب لكن حدث في يوم من الأيّام أنّي أمسكت بواحدة لونها برتقالي عليها خطوط سوداء فرحت كثيرا و كان ذلك بالنّسبة إلي يوم للإنتصار ، قبضت عليها بأصابعي و حملتها كي أريها لزملائي و كانت نيّتي أن اتحدّاهم و أثير غيرتهم لكن لما وصلت إليهم نظروا إلى الفراشة وهم يتهامسون لقد مسكتها ...لكن أنا انقلبت فرحتي حزنا و انتصاري هزيمة لأنّي لاحظت بأنّ ألوان الفراشة التصقت بأصابعي و أصبحت أجنحتها تظهر شفّافة شيئا فشيئا . لقد تشوّهت الفراشة الجميلة و انقلبت فرحتي حزنا و لكن سرعان ما بدأت أضحك لما أطلقتها و بدأت تطير و هي مشوّهة الأجنحة لا هي شفافة و لا هي برتقالية.
-إحداهنّ قالت أنّك انتهيت كقلم ، فبما تردّين عليها ؟
- من لم يستطع أن يقرّر البداية لقلمه لا يستطيع أن يقرّر النّهاية لقلم غيره .
و القلم الذي يكتب من أجل الحقّ و من أجل نصرة الضّعفاء و المظلومين و يواسي أهلنا في فلسطين و في العراق و أفغانستان و في سائر الدّول الإسلامية المستضعفة لا ينتهي و لا يموت بإذن الله حتّى و إن جفّ سأكتب بيدي و الحبر دمي. و أظنّ الّذي ينتهي و يزول هو الذي يكتب لعيون أمريكا و إسرائيل لأن النّصر دائما للحقّ على الباطل و هذه هي سنة الله في الكون.
- و قارئ آخر يقول / نعرف معرفة يقينية أنّ ثمة من حاول إغراءك بمنح هبات مقابل التّخلّي عن موقفك المعروف اتّجاه المقاومة في الوطن العربي و موقفك الواضح إزاء الصّهاينة و عملائهم و رفضت ، ألا تحبّين الأحجار الكريمة و الثّروة الطّائلة ؟
- زمن الجواري قد ولىّ و كي أكون واضحة مع الجميع أنا أقول لكم بأنّ الأحجار التي يرميها شباب فلسطين ضد قبّعات الصّهاينة و دبّاباتهم هي الأحجار الكريمة بالنسبة إليّ و ليس الألماس أو الزمرّد أو العقيق الذي يمنح لي مقابل بيع أفكاري و مبادئي .
-أخت مصرية تسألك / ما موقفك من رجم الفريق الجزائري في القاهرة ، و رجم الفريق المصري في منطقة القبائل ؟
- العلاقة بين البلدين أكبر أن تحصر بين قدمي عنتر يحي و محمد زيدان.
ولكن للأسف هذا هو حال أمّة العبث .الأمور الكبيرة صغّرناها و الصّغيرة كبّرناها. و لو أن الذي قام برجم حافلة المنتخب الجزائري علم بأنّ الجزائريين كانوا يقومون باختطاف الفرنسيين و معاقبتهم للعمل في مقالع الحجارة إثر اجتياح نابليون المشرق العربي لما سوّلت له نفسه ليفعل ما فعل. أمّا الذي رجم قافلة المنتخب المصري في منطقة القبائل لو تربّى على حقيقة تاريخية جميلة متمثّلة في كون منطقة القبائل كانت تنزل مصر عندها منزلة عظيمة لما فعل ذلك . لو تأمّل قليلا لوجد بأنّ الملعب الذي نزل فيه الفريق المصري على بعده بمسافة قصيرة يوجد مسجد مدينة تيزي وزو مسجد الشّيخ أرزقي الشّرفاوي الأزهري.
أتمنى أن تتوقّف هذه المهزلة و أنصح أيّ مصري يريد أن يرجمنا مستقبلا أن يوجّه حجارة إلى المجرمة ليفني أو اولمرت. و انصح أي جزائري تسوّل له نفسه مستقبلا رجم المصريين في أن يوجّه حجارته إلى كلّ فرنسي يمجّد الإستعمار يوجّهها و لو بشكل رمزي.
- بما أنّك تتابعين الأحداث السّياسية باهتمام على ما يبدو كيف تقيّمين الدّور الّذي تلعبه قطر في السّياسة الخارجية ؟
- دولة قطر تلعب عدّة أدوار إيجابية فيما يتعلّق بالسّياسة الخارجية فقد ساهمت في جمع الفرقاء اللّبنانيين و كذلك تبذل الجهود لاحتواء الأزمة في دارفور و كذلك مساعيها للصّلح بين الحوثيين و النّظام اليمني و إلى جانب هذا مبادرة قطر لإعمار جنوب لبنان و هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ سياسة قطر الخارجية نجحت فيما فشلت في تحقيقه الجامعة العربية.
- لدي سؤال للكاتبة جيجيكة ،ما رأيك في الرّوائي نجيب محفوظ هل سبق لك و أن قرأت له أقوالا ملفتة للانتباه ؟
- رأيي في الأديب نجيب محفوظ لا يمكن أن يكون أكثر من الرّأي الذي قالته فيه جائزة نوبل للآداب. أمّا أقواله الّتي لفتت انتباهي فهي كثيرة جدّا أختار منها تعليقه على إجابة أحد أصدقائه لما سأله نجيب محفوظ عن أحوال النّاس في الشّارع المصري فأجابه صديقه بأن البنات أصبحن يرتدين الخمار لتغطية الرّأس و يتعمّدن تعرية السّرّة، فعلّق نجيب محفوظ قائلا : الخمار عشان يرضى الإخوان و السّرّة على شان ترضى الحكومة .
- و أخيرا ما هي أمنيات أ جيجيكة ؟
- أتمنّى أن تترسّخ قيم السّلم و المصالحة في الجزائر و أن يسود الود ّبين كل الشّعب الجزائري مهما كان أصله و فصله لأنّه في النّهاية نحن من أصول جزائرية و فقط . بدون أن أنسى سائر بلاد المسلمين .
- كلمة منّي إليك /
لتعلم زهرة القبائل أنّنا ندعمها و نشجّعها على الكتابة و مهما كانت خياراتها نحن معها نقرأ لها سواء كاتبة صحفيّة أم روائية ......
- شكرا جزيلا سيّدتي أدركت هذا من أوّل وهلة كنت تتلقّفين فيها مقالاتي و نشرتيها في المنتديات. أعتزّ بهذا كثيرا و بشهادتي أكثر أنّ كلّ شيء يوحي بأنّك من زبدة المجتمع. و اعلمي سيّدتي بأنّي أقدّر تعبك و قد كنت سندي بنوافذك الّتي فتحتيها لي كي أطلّ على القرّاء ببعض مقالاتي....
- نفعل هذا و لنا كلّ الشّرف، و ماذا يساوي هذا مقابل مجابهتك لكلّ ما تتعرّضين له من وجع و آلام كبيرة تحملينها بصمت دامع على أحوال هذه الأمّة ....قلوبنا معك و دعواتنا أن يوفّقك الله و ينصر قلمك الّذي نذرته للإسلام؟
ثمّ أنّنا حصلنا منك على هذا الحوار الشّيق و أنت الخجولة البعيدة عن الأضواء هذه قمّة السّعادة .
و أخيرا وكم هو صعب أن نضع نقطة النّهاية لهذا الحوار نريد كلمة منك إلى قرّائك الّذين أحبّوك رغم نزيف الفاكهة المقدّسة و رغم البرد و رحيل ذاك الشّيخ المسكين و رغم الطّفولة الّتي أطلت معاناتها و عذّبتنا معها .....
- أولا تعمّدت إطالة معاناة إسماعيل و ستطول معاناته على مدار الرّواية و قد تعمّدت هذا لأنّ في العمل الفنّي نحتاج أحيانا إلى ما أطلق عليه أرسطو مصطلح " كاثارسيس" أي التّطهير و التّطهير لدى أرسطو يعني تطهير النّفس البشرية عن طريق إيقاظ المشاعر الإنسانية فيها مثل الحزن و الشّفقة و لذا أقول لقرّائي الّذين تأثّروا و بكوا لحال الطّفل لقد حصل معكم ذلك بسبب إنسانيتكم و مشاعركم النّبيلة .
عدل سابقا من قبل ليلى عامر في الأحد 19 سبتمبر 2010, 1:46 am عدل 1 مرات (السبب : خطّ صغير)