بعيداً عن نظرية المؤامرة.. المشروع الجديد لقانون حماية الصحفيين في الميزان
د.صباح الباوي
04-08-2009
نرى ان استصدار قانون لحماية الصحفيين (اذا افترضنا ان القانون محل الدراسة يحمي الصحفيين) وعدم الاكتفاء بالقواعد العامة المقررة في القوانين النافذة لحماية الاشخاص وكذلك عدم الاكتفاء بالمعاهدات الدولية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة كاتفاقية جنيف الصادرة في 12/آب/1949 المتعلقة بمعاملة اسرى الحرب والمادة 79 من البروتوكول الاضافي الاول في 8/حزيران/1977 الخاصة بحماية الصحفيين العاملين في بعثات مهنية محفوفة بالمخاطر في مناطق الصراع المسلح، نقول ان استصدار القانون المذكور سينطوي بالضرورة على تقييد لحرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة والاعلام والنشر التي كفلتها المادة 38 من دستور جمهورَية العراق لسنة 2005،
وذلك لإن كل تنظيم سينطوي بالضرورة على تقييد كما يقول الفقهاء والمناطقة، وتبرز اشكال التقييد المتنوعة في مشروع القانون في نصوص عديدة وبالتالي فإن مشروع القانون يفرِّغ حرية الصحافة التي كفلها الدستور من محتواها ويذرها حريةً جوفاء مكبلة بقيود مختلفة.
واذا قصد واضعو مشروع القانون حماية الصحفيين حماية جنائية فإن بالإمكان تقرير تلك الحماية بإضافة نص عقابي في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 يشدد في العقوبة المفروضة على الاعتداء اذا كان واقعاً على الصحفيين او على التهديد اذا كان موجهاً لهم، اما اذا توخى واضعو المشروع تحديد راتب تقاعدي لشهداء الصحافة او عوائلهم او تعويض مصابيهم جراء العمل الصحفي فإن بالإمكان ايضاً إضافة نصوص مماثلة في القوانين ذات العلاقة لضمان تلك الحقوق، والقول بغير ذلك سيعني ان من اللازم ان يجري تشريع مجموعة كبيرة من القوانين المماثلة التي تحمي فئات عديدة في المجتمع وتعوض عن استشهادهم او اصاباتهم كالاطباء والقضاة واساتذة الجامعة والفنانين ناهيك عن موظفي الدولة بل كل افراد الشعب الذين هم كلهم مشاريع للإستشهاد او التعرض لإصابات طالما ان ادوات القتل التي يستخدمها الإرهابيون لا تفرق بين الصحفي او غيره.
وعلى اية حال لم يتناول مشروع القانون امراً في غاية الاهمية وهو تدوين قواعد واخلاقيات العمل الصحفي والإعلامي او مواثيق الشرف وقواعد السلوك المهنية الخاصة بالعمل الصحفي وتنبع اهمية تدوين تلك القواعد من كونها معياراً لمدى التزام الصحفي بمهنية عمله وبالتالي دخوله في الحماية القانونية التي يفترض ان يؤسِّس لها مشروع القانون، ومن دون تدوين تلك القواعد تصعب معرفة مدى انقياد الصحفي لقواعد السلوك المهنية وبالتالي إقامة مسؤوليته القانونية كما تصعب معرفة مدى قانونية الإجراءات المتخذة بشأن الصحفي من قبل السلطات الامنية والحكومية الاخرى عند قيامه بتصرف معين وهذا امر خطير كون العمل الصحفي في تماس دائم مع الحدث ولا بد من تمييز التصرف الذي يقوم به الصحفي ويستحق فيه حماية القانون من التصرف الذي لا يتناغم مع لائحة السلوك المهني فيخرج فيه من الحماية المذكورة.
وفي حين ان من اللازم ان تنسجم جميع نصوص اي قانون مع عنوان ذلك القانون، الا ان تفحُّص نصوص مشروع قانون حماية الصحفيين تبين بوضوح ان كثيراً منها لا علاقة له بموضوع المشروع وانما بموضوعات اخرى قد يكون لها صلة بالعمل الصحفي او تنظيمه وبالتالي فهي امور لا تدخل بصورة مباشرة كما ينبغي في موضوع حماية الصحفيين كضرورة ان يكون الصحفي منتمياً لنقابة الصحفيين (م 1/اولاً) والحق المقيد في الحصول على المعلومات من الدوائر الحكومية ( م 8 ) والحق المقيد في عدم الإفصاح عن مصادر المعلومات (م 9) وابرام عقود عمل مع الصحفيين (م 13) وحضور الصحفيين الى المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة (م 15)، و رغم ان من اللازم ان يضع المشروع آليات لحماية الصحفيين والعمل الصحفي لاسيما في اوقات الحرب او الظروف الطارئة او عند العمل في مناطق خطرة وساخنة الا ان القانون لم يأتِ بشيء من ذلك او دونه.